في إطار فعاليات المعرض الجهوي الأول للكتاب المنظم بتازة، جرى أول يوم أمس الجمعة توقيع ديوان "شعراء فرنسيون من القرن التاسع عشر" للشاعرة و المترجمة سعاد التوزاني، و سط عدد من المثقفين و المبدعين، إذ شكلت المناسب فرصة لتسليط الضوء على صفحات بهية من حياة المحتفى بها ودورها الرائد في الساحة الثقافية على الصعيد المحلي والوطني والعربي.
حيث استهل الجلسة الشاعر جلول دكداك بكلمة رحب من خلالها بالمحتفى بها مبديا سعادته بلقائها والمساهمة في تتويجها كواحدة من رموز الكتابة بالمغرب، لتؤول بعد ذلك الكلمة للشاعر عبد السلام بوحجر الذي قدم شهادة مؤثرة اختلطت معها دموع الفرحة والشوق والحنين في أحداق سعاد التوزاني، وأتبعها بورقة نقدية جامعة وشاملة لخصوصيات الكتابة لديها مؤكدا أن ميزتها وفرادتها تكمنان في امتلاكها لناصية القول باللغتين العربية والفرنسية إلى درجة أنه حين كان يسمعها تقرأ بالعربية يخيل إليه أنها لا تفقه الفرنسية، وحين تتحدث بالفرنسية كأنها لا تجيد العربية.
الشاعر بوحجر الذي عرف سعاد التوزاني في مرحلة التسعينات أفاض في بسط مساحات الحلم والأمل والألم رابطا بين توهجها الإبداعي وتجربة المرض المقيت التي مرت بها سعاد التوزاني والتي شكلت بالنسبة لها سعرة من سعرات الحرارة الشعرية ألهمتها أروع النصوص ، وأضاف بوحجر أن التوزاني تتفرد عن كثير من الشواعر كونها تقدم قلبها على طبق من الفضيلة والخلق النبيل والوقار الذي يليق بمقامها واصفا إياها بالسيدة المتسامحة ذات القلب الكبير الذي يحب الخير للجميع، مذكرا بمراحل الإقصاء والحصار والتعتيم التي مرت به سعاد التوزاني، ومشيدا بصبرها ومثابرتها ومضيها قدما بإصرار وعزيمة صلبة لتنتصر في الأخير للكلمة الشعرية وللقيم الإنسانية الطاهرة رغم الداء والأعداء.
الورقة الثانية في حق سعاد التوزاني كتبها الشاعر المغربي محمد علي الرباوي، وقرأتها بالنيابة الشاعرة رشيدة بورزيكي و أشار الرباوي إلى أن تفرد شعر سعاد التوزاني يتجلى في البوح الأنثوي المؤطر بلغةٌ رومانسية مختلفة عن لغة من جايلها من الشعراء المغاربة لأن هؤلاء مسكونون بما هو سياسي الشيء الذي جعل لغتهم لغة واقعية في حين اختارت الشاعرة سعاد ، لغة الذات .وقد تجسدت رومانسيتها واضحة في كتاب "شعراء فرنسيون" حيث لونت سعاد مترجماتها بهمس روحي يشعر به ألف قراءة شعر المتصوفة وأهل الله.
وانتهت الكلمة إلى المحتفى بها سعاد التوزاني التي فتحت أحضان مشاعرها لمدينتها وأطلقت العنان لهذا العشق الأسطوري الذي يجمعها برحمها الأمومي الدافئ تازة ،فابتسمت وانبسطت أساريرها وشع نور الحنين من محياها ، وبهدوء السيدة الجليلة الصبورة انتحبت برفق وسالت دمعتين على خدها حين تراءى لها بين الأسطر طيف المرحوم والدها وهو يهديها في صباها أول ديوان شعري فرنسي،ليغرس بذلك في بستان روحها أول زهرة من زهور الشغف الإبداعي.
و بين الدمعات والبسمات كانت سعاد تبعث بصوتها الشجي رسائل حب لكل الذين أحبوها وساندوها واحتضنوها وقاسموها الألم والأمل،وبرسائل التسامح والعفو لكل الذين أساءوا وأزعجوها ووضعوا في طريقها أشواك الحقد والكراهية. وحين أنشدت سعاد قصائدها كان الفضاء قد خيمت عليه رهبة ساحرة ،والرؤوس انحنت وتطأطأت خاشعة، والأجسام تجمدت تحت بنج الكلمات ،والعيون حملقت شاخصة لتشهد ميلاد قصة أخرى من قصص الوصال بين شاعرة عشقت مدينتها ملء الجوانح والجوارح وجمهور ضبط ساعته على توقيت المحبة والحنين شكرا وامتنانا لشاعرة بحجم الحلم والوطن والوفاء ،هي سعاد التوزاني.