كل مؤسسة تعليمية وتأطيرية وتكوينية تقدم المعرفة وتُكون الأجيال وتسعى إلى الارتقاء بالرصيد العلمي لديهم عبر أفواج متوالية، إلا ولها مكونات أساسية لا تقوم إلا بها، ولها حدود مجالية وتدبيرية لابد وأن تقف عندها، ولها علاقات لابد وأن تكون متعددة تتوفر عليها. إذ من طبيعة المؤسسة وتعدد وظائفها ألا تناهض ما قد وجدت من أجله، وألا تَضعُف عن أداء واجبها الذي أحدثت لقصده، عبر أطرها على اختلاف أدوارهم وتنوع مسؤولياتهم، حتى ينبجس صيتها سموا وإشعاعا.
وإذا كان الحديث عن الكلية متعددة التخصصات تازة هو جوهر الحديث، فإن الأمر لابد وأن يكون من خلال العناصر التي أصبح الحديث عنها اليوم هو حديث عن بعضها دون الآخر، ليس لأن الكلية متعددة التخصصات لا تتوفر على مكونات قائمة لها، وليس لأنها محدودة العلاقات والانفتاح عن محيطها، وليس لأنها لا تستغل محيطها الداخلي من أجل تحقيق إشعاع علمي ومعرفي بين مكوناتها، وليس لأنها منغلقة على محيطها الخارجي، بل لأن الكلية متعددة التخصصات تازة أصبحت اليوم ضحية إصلاح جامعي، وأصبح طلبتها يعانون من أرق الحصول على مقاعد لهم بها أثناء الدرس والتحصيل.
إن من بين القضايا الشائكة في التدبير التي تؤرق إدارة الكلية متعددة التخصصات تازة، ولم تكن قادرة بحكم إمكانياتها الضعيفة على تجاوزها، أمام صمت رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، رغم التطلعات المرتقبة لفتح المدرجات الجديدة أمام الطلبة، وبشائر إعلان الانتهاء من تأثيثها قبل نهاية شهر دجنبر، هو العدد الهائل للطلبة، الذين تجاوز حدهم 11 ألف طالب أمام طاقة استيعابية للكلية لا تتعدى 3700 مقعد.
إن حصيلة مقعد واحد لكل أربع طلبة، بالكلية متعددة التخصصات بتازة، له أثر سلبي بوجه من الأوجه على نفسية الطلبة وقدرتهم في الحصول على مقعد في حصة التدريس، وهذا ما جعل المقاعد تتنقل من قاعة إلى أخرى في اليوم لأكثر من 4 مرات.
والنتيجة الواضحة من كل ذلك هي إفراغ القاعات من المقاعد، والزج بها في قاعات أخرى، وإرهاق أعوان الكلية في ترتيبها كل يوم من جديد، ناهيك عن حالة التدمر الحاصل بالنتيجة في صفوف الطلبة جراء البحث عن مقعد لهم خلال كل حصة وكل يوم، وهو فعل لا أقول أنه يؤثر على قدرات التحصيل لدى الطلبة، بل يؤثر بشكل مباشر على العملية البيداغوجية ككل.
وإذا كانت قضية تنقل الكراسي من مكان إلى آخر تؤثر بشكل حاد على السير العادي للحصة الدراسية وتقلص من الحصة المقلصة، فإن تحويلها من قاعة إلى أخرى يتطلب مدة زمنية طويلة تتراوح بين 10 دقائق إلى 15 دقيقة، يكون لزاما فيها على الأستاذ الانتظار حتى تتوفر الشروط الملائمة لإنجاز المحاضرة، وبعد ساعة زمنية، وانتهاء الحصة، تبدأ الكراسي رحلة جديدة إلى قاعة أخرى، من قاعة إلى قاعة، ومن حصة إلى حصة، حتى نهاية اليوم، لتعاود الكراسي حركة التنقل من جديد في رحلتها اليومية المعتادة، ولربما حصلت لها أثناء التنقل حوادث سير تؤثر سلبا على حالتها، مما يجعلها غير قادرة على التعمير طويلا.
فهل المدخل الرئيس للحد من التطلعات العلمية لأبناء تازة ولطلبة وأساتذة الكلية بعد فشل المخطط الأول، هو إرهاقهم في الهموم الصغيرة القادرة عبر الزمان على الإتيان من العزيمة، أي هل نحن اليوم أمام أشكال عقابية جماعية عبر أدوات جديدة لا علاقة لها بالأداة الأمنية؟ لكن بسمة العمل ونسمة الأمل تجعلنا نقول أن رهان التحدي لن يكون إلا للأقدر على المطاولة والمصابرة عبر التحصيل والعلم والجد.