قليل هم القراء و المتتبعين من جيل الثمانينات فما بعد، سبق لهم أن سمعوا أو علموا عن زيارة "الشيخ يوسف القرضاوي" لمدينة تازة خلال شهر رمضان 1400 ه - 1978م، حيث ألقى فيها محاضرة حول "غزوة بدر" باعتبارها أول مواجهة عسكرية بين المسلمين و كفار قريش، و من بين أشهر الغزوات التي قادها الرسول صلَّى الله عليه و سلم ضد الكفار، و تزامنها مع شهر رمضان و بالضبظ صبيحة يوم 17 من رمضان المبارك 2 هجرية حيث انتهت بانتصار المسلمين و مقتل سيد قريش "عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميٍ". و على الرغم من غياب التفاصيل و المعطيات بمذكرات الشيخ القرضاوي التي تؤرشف و تؤرخ لمحاور هذه المحاضرة الملقاة بتازة، و التي لا يستبعد أن تكون نفسُها التي ألقيت خلال الندوة التي عقدها التلفزيون المغربي حول موضوع "غزوة بدر" أو على الأقل شكلت مدخلا لها، إلا أن أسباب التي مهدت لإلقائها بتازة، أصبحت معروفة من خلال مذكرات الشيخ القرضاوي بعدما نشرت و خاصة على موقعه الإليكتروني "القرضاوي.نت" خلال 12 يناير 2009. فحسب ما جاء في الحلقة الحادية والثلاثون من مذكرات الشيخ القرضاوي حول "زيارة المغرب والمشاركة بدرس من الدروس الحسنية" وردت زيارته لمدينة تازة، حيث جاء فيها بالحرف ما يلي: " ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي أدعى إليها لهذه الدروس، فقد دعيت إليها من قبل عدة مرات، ولكني كنت أعتذر عن عدم تلبية الدعوة بأعذار شتى، فقد حذرني كثيرون: أن هذه الدروس تلزم العلماء بطقوس معينة لا تتفق مع طبيعتي، مثل الانحناء، والمبالغة في الثناء والتعظيم للملك الذي يدعونه عادة بأمير المؤمنين. وقلت: أنا في غنى أن أكلف نفسي ما لا تحبه ولا تحتمله، فالاعتذار أسلم طريق. ولكن سفراء المملكة في قطر الذين خالطوني وعرفوني ظلوا يلحون علي أن أستجيب، وقالوا لي: إن أحدا لا يلزمك بشيء من هذه الطقوس، وكل عالم حر في تصرفه، وأخيرا استجبت للدعوة في رمضان الموافق 1978م، وسافرت إلى المغرب فعلا، للمشاركة في هذه الدروس، ولكن قدر الله سبحانه وتعالى: أن يدخل الملك المستشفى لإجراء عملية جراحية، فلم تعقد هذه الدروس في ذلك الموسم. ومن هنا رتبوا لنا زيارة بعض المدن المغربية، وإلقاء بعض الدروس والمحاضرات في بعض المدن، منها مدينة الرباط نفسها، ومنها الدارالبيضاء، ومنها مدينة فاس، التي زرت فيها جامع القرويين الشهير، وألقيت محاضرة في جامعة محمد بن عبدالله، قدمني فيها صديقنا العالم الداعية الثبت المعروف: الدكتور عبد السلام الهراس. كما زرت مدينة تازة، وألقيت فيها محاضرة في ذكرى غزوة بدر. كما شاركت في ندوة عقدها التلفزيون المغربي حول (غزوة بدر) والدروس المستفادة منها، وكان معي فيها مؤرخ الفتوحات الإسلامية اللواء الركن محمود شيت خطاب، المعروف بمؤلفاته ودراساته في السيرة والتاريخ، والأخ العالم المعروف الدكتور عبد السلام الهراس. ومن اللطائف: أن الأخ المذيع الذي كان يدير الندوة، ارتبك عند تقديمنا، فقال: يشترك في هذه الندوة: اللواء الركن يوسف القرضاوي وفضيلة الدكتور محمود شيت خطاب! وضحكنا من ذلك، وألغيت هذه المقدمة. وقد علق عليها اللواء شيت خطاب قائلا: إنه ليشرفني أن يطلق علي الشيخ محمود خطاب، لا فضيلة الدكتور، فلقب (شيخ) عندي أفضل من دكتور، ومن لواء، ومن أي لقب دنيوي يحرص عليه الناس. وأحب أن يخاطب الشيخ القرضاوي بلفظ الشيخ لا بلفظ الدكتور. وانتهى تسجيل الحلقة على ما يرام. وبعد ذلك عدت إلى قطر، عن طريق باريس، بعد أن تعرفت على المغرب في أول زيارة لي إليه. وتعرفت على الأخ الكريم الداعية: عبد الإله بن كيران، الذي صحبني إلى الأسواق، لأشتري بعض الملبوسات المغربية للأولاد. وقلت في نفسي: الخير ما اختاره الله لي، فقد كنت متخوفا من هذه الدروس وما قد يكون فيها من إحراجات لا تناسبني. وكل شيء مرهون بوقته على ما قدر الله سبحانه. هذا ما كان في زيارة سنة 1978م"... المراجع:
- مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات و البحوث الإسلامية : الشيخ صالح الكرباسي "الإجابة حول متى كانت غزوة بدر ، و ما هي أسبابها ، و لماذا سميت بهذا الاسم ، و كم كان عدد المشاركين فيها من الطرفين ؟ - مذكرات القرضاوي المنشورة على موقعه الشخصي qaradawi.net