كم من قضية رابحة خسرت لأن وراءها محامي فاشل، وكم من قضية فاشلة ربحت لأن وراءها محامي بارع. و"كالينطي" هو قضية رابحة لم تجد من يدافع عنها فأصبحت هشيما تذروه الرياح وكان ممكنا جدا أن تصبح كلمة أو ماركة عالمية تدير الرؤوس. لا تستغربوا ثقل هذا الحديث ولا تلوموني وتتهموني بتضخيم مسألة "تافهة جدا" كأكلة كالينطي الشعبية. فإن كنتم ولابد فاعلين فلتعلموا جيدا – وأنتم تعلمون غالبا – أن أكلة كالينطي ليست بالشيء التافه، وهي أولا تراث بشري يستحق أن نعض عليه كطنجاويين بأيدينا وأسناننا، وهي ثانيا تعبر عن مرحلة هامة جدا في طفولة كل منا، ولازالت ترافقنا لحد الآن. فالبيتزا،مثلا، وراءها بشر مثلي ومثلك، وهي أولا وأخيرا أكلة مثل باقي الأكلات. فما الفرق بين كالينطي والبيتزا إذن؟ الفرق هو أن كالينطي ألذ وأرخص، وهذا يرجح الكفة لصالحه. فقط الاختلاف الوحيد أن البيتزا وجدت وراءها إرادة قوية وآلة إعلامية وإعلانية ضخمة وأشياء أخرى، فغزت أسواق التجارة الطبخ العالمية. بينما بقي كالينطي يجاورنا في أحيائنا الشعبية أينما حللنا وارتحلنا ويأبى إلا أن يبقى في طنجة، كأنه طنجاوي قح لا يريد لطنجة فراقا. أجدادنا العارفون ببواطن الأمور وخباياها، يقولون أن أصل أكلة كالينطي طنجاوي مئة بالمئة وليس إسبانيا ً كما توحي به كلمة "كالينطي" الإسبانية الأصل والتي تعني "ساخن". إنما استعمال الكلمة الإسبانية كان فقط مما تركه ويتركه الاستعمار في أي مكان، أما التركيبة وبراءة الاختراع فأصلهما من هنا.. من طنزة..(أقصد طنجة طبعا). وقد بذلت جهدا صادقا لعلي أجد في المطبخ الإسباني ما يشير إلى كالينطي فلم أجد. شكرا غوغل. الجميل فعلا أنك لا يمكن أن تعثر على أكلة كالينطي، بكل مقوماتها، في أي مكان آخر في العالم سوى في طنجة.. وهذه ميزة حقيقية ومتفردة. الجارة العزيزة تطوان لديها بعض المحاولات (الكالينطية)، لكن الفرق شاسع جدا بين الأصل والتقليد.. والذين ذاقوا الاثنين معا يعرفون جيدا ماذا أقصد. وماذا عن وصفة كالينطي؟ يتكون كالينطي أساسا من دقيق الحمص والبيض والزيت والماء، هذا الخليط يصنع في (بيدونة) مقطوعة من المنتصف وداخل أحد الفرانات الشعبية كي تكتمل الوصفة وكي يخرج كالينطي لذيذا جدا كما تعودنا عليه.. أحيانا تلعب البكتيريا دورا رئيسيا في اللذة، وهذه مسألة مجربة ..ومن كان لديه اعتراض فليخبرنا. خليط كالينطي السائل يصب في آنية معدنية مستديرة، وبعد أن يصبح جاهزا يصدر إلى الخارج.. أقصد إلى الشارع. وهو يؤكل ساخنا ملتهبا بالضرورة وإلا فقد 90 بالمائة من سر لذته. هناك محاولات كثيرة لصنع كالينطي داخل البيت من طرف عدد كبير من الأسر، لكنها تفشل دائما ويبقى كالينطي الشوارع هو الألذ والأكثر إقبالا. وأنا متأكد أن أغلبكم قد جرب أكثر من مرة أن ينافس كالينطي راس المصلى مثلا، فباءت محاولته بفشل ذريع. هل أكلة كالينطي صحية؟ ماهي ذكرياتنا معها؟ من هم أشهر باعة كالينطي في طنجة؟ هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها في الحلقة القادمة من برنامج الاتجاه المعاكس...أ....عفوا... أقصد في العمود القادم...م الحشيَة. عبد الواحد استيتو [email protected] Facebook | Abdelouahid Stitou