دوّن المغرب اسمه، خلال السنة التي تشرف على نهايتها، ضمن قائمة الدول الرائدة في مجال تكنولوجيا الفضاء وارتقى إلى مصاف الكبار وهو يلج بكل ثقة وثبات عهد تكنولوجيا المعلومات بإطلاقه القمر الصناعي "محمد السادس-أ" شهر نونبر الماضي، وهو إنجاز جديد ينضاف إلى جملة الإنجازات العديدة التي ترصع سجل المملكة الحافل بالمكاسب على مختلف الأصعدة ويعزز أكثر ريادتها وإشعاعها على الصعيدين الإقليمي والقاري. والواقع أن هذا الإنجاز الكبير، الذي يحق للمغرب أن يفخر به، يبرز حقيقة جوهرية مفادها أن المملكة باتت تشق طريقها بعزم راسخ وبثبات نحو إحراز مزيد من التقدم ومزيد من المكاسب في إطار دينامية تنموية شاملة تغطي مجالات الاقتصاد والسياسة والجانب الاجتماعي والرياضي والتكنولوجي. فبفضل هذا القمر الصناعي، بات المغرب يتوفر على تكنولوجيا متقدمة تتيح له رصد ترابه بشكل جيد، وبالتالي التحكم على نحو أفضل في الموارد، وتسهم في تسريع وتيرة الدينامية التنموية الخلاقة التي انخرطت فيها المملكة في العقود الأخيرة والتي باتت تؤتي ثمارها بشكل يثير الإعجاب قاريا ودوليا. ويندرج هذا الإنجاز الكبير، وهو ثمرة تعاون مغربي- فرنسي، في إطار سعي المغرب المشروع والدؤوب والسيادي إلى إرساء أسس التنمية المستدامة وتحقيق الازدهار الشامل وتكريس إشعاع المملكة. ومن المهام المتنوعة التي سيضطلع بها القمر الصناعي "محمد السادس-أ"، الذي صممه تكتل تاليس آلينيا سبيس وإيرباص، رسم الخرائط والمسح، وإعداد التراب الوطني، وتتبع الأنشطة الفلاحية، والوقاية من الكوارث الطبيعية وتدبيرها، ورصد التطورات البيئية والتصحر، فضلا عن مراقبة الحدود والساحل. وهكذا سيوفر القمر الصناعي الذي تم تثبيته في مدار يبعد عن الأرض بحوالي 700 كلم، تطبيقات في مجال مراقبة البيئة، والتحكم في حرائق الغابات واستباقها، وتدبير الموارد الغابوية والتنقيب عن المياه. كما سيمكن من الوقاية من الكوارث الطبيعية وتدبيرها بشكل أفضل، وضمان تتبع دقيق للتغيرات المناخية والتوسع العمراني. وستتيح المعطيات التي سيتم جمعها انطلاقا من صور عالية الاستبانة تطوير آليات معالجة وتدبير الغطاء النباتي، والمساحات الغابوية والمراعي، إلى جانب إمكانية تقييم الموارد المائية والتنقيب عن المياه الجوفية. وسيُستخدم الجهاز الجديد أيضا في القيام بدراسات الجدوى للطرق والسكك الحديدية والمشاريع الضخمة التي ما فتئ المغرب يطلقها عبر ربوع المملكة. ويُجمع الخبراء في الميدان أن هذا القمر الصناعي يشكل رافعة أساسية لتطوير البحث والابتكار في المملكة، ويؤكد أن المغرب بات مهيئا على نحو ملموس لتطوير هذه التكنولوجيا الخلاقة، بحيث ارتقى إلى مصاف البلدان التي انخرطت في مجال البحث الفضائي وفق رؤية استشرافية قوامها عزم أكيد على اقتحام الصعاب وتذليل العقبات وتحصين المكاسب وتوطيدها. وأكد الخبراء أن إطلاق هذا القمر الصناعي بنجاح يتيح للمملكة فرصا هائلة في مجال المراقبة الخرائطية في مختلف المجالات، لاسيما علم المناخ، والفلاحة، وتدبير المياه، والتشجير، والتصحر، وتهيئة التراب، باعتباره ينطوي على العديد من المزايا من حيث دقته الفضائية والزمانية، وسيضمن للمغرب استقلالية في مجال المراقبة الخرائطية، بل ويمكنه من تطوير برامج سريعة في هذا المجال بفضل هذه البنية التحتية التكنولوجية المتقدمة. وسوف يكون الجهاز العالي التكنولوجيا قادرا على التقاط 500 صورة يوميا وإرسالها إلى محطة التحكم الأرضية قرب مطار العاصمة الرباط حيث سيقوم الخبراء المغاربة بتسييره. وهكذا تعزز المملكة ريادتها وإشعاعها على الصعيدين الإقليمي والقاري وتضيف لبنة أخرى إلى صرح إنجازاتها المشهود بها عالميا، بما يعزز الدينامية التنموية الشاملة التي انخرط فيها المغرب بثبات وعزم وطيد على خدمة المواطن وفي الوقت نفسه تمكين القارة الإفريقية من الاستفادة مما راكمه من خبرات ومكاسب في إطار رؤية متبصرة واستشرافية تضع الإنسان في صلب مسلسل التنمية، وفي نطاق سياسة تعاون جنوب- جنوب فعالة، إيمانا بأن أمام إفريقيا مستقبلا واعدا لما تزخر به من موارد بشرية وطبيعية يتعين استثمارها وتثمينها.