خرجت عن القاعدة و كسرت الصمت، على عكس مثيلاتها، ضحايا التحرش الجنسي بالجامعات المغربية. أسماء بوادي طالبة جامعية ، تروي بجرأة قصتها:" جئت إلى الكلية لتعلم العلم و ليس لتعلم الدعارة. طلب مني الأستاذ مرافقته إلى منزله وهدد بأني لن أحصل على الإجازة مهما اجتهدت في حال لم أرضخ لرغبته الجنسية". وكشفت أسماء عن ضغوطات قاسية تتعرض لها سعيا من الأستاذ لتنازلها عن الدعوة القضائية التي سجلتها ضده، آخرها مساومتها ب 400 ألف درهم، لترد " أرفض المساومة وكفانا صمتا". أما جنان 22 ربيعا، فتقول بخجل وبنبرة تنم بمشاعر الامتعاض، "يرابطون جنب الكلية، يبدؤون بالكلام المعسول، وبما أني محجبة ولا أهتم بالأمر، أسمع وابلا من الكلام البذيء". لتتساءل " لماذا لا يوجد قانون يجرم التحرش؟". ظاهرة "مستشرية" خلف الأبواب المغلقة.. نظرات.. إيماءات.. تلميحات و ألفاظ، وفي بعض الأحيان اعتداء جسدي على حرمة الآخر. إنها ظاهرة التحرش الجنسي التي تعتبر سلوكا غير مرغوب فيه لما يسببه من أذى نفسي و معنوي للمتحرش بها. وقد يصدر عن شخص له سلطة تجاه المتحرش بها، سواء في العمل أو الإدارة أو حتى في المؤسسات التعليمية... ، أو سلطة اجتماعية نابعة من الثقافة السلطوية الذكورية. يقول الدكتور علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع "عندما يتم التحرش بالطالبات فإننا بذلك نضرب قيم المجتمع في الصميم و نتجاوز مفهوم الردع في القانون". ويضيف الشعباني في تصريح خص به DWعربية "بدأنا و للأسف نجد، وبشكل مستفز، الكثير من المتحرشين، خاصة أصحاب السيارات الذين يرابطون أمام الجامعات وفي الشوارع المؤدية لها". و جاء في تصريح للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمناسبة "اليوم العالمي لحقوق الإنسان"، أن ظاهرة العنف ضد المرأة تعم المجتمع المغربي، وأن التحرش الجنسي الذي يشكل انتهاكا صارخا لحقوق المرأة مازال مستشريا في ظل تساهل القضاء مع جرائم العنف و تماطل الدولة في إخراج قانون لحماية النساء من العنف. غياب قانون إطار يتصدر أسباب استفحال الظاهرة أفادت المندوبية السامية للتخطيط وفق دراسة أعلنت عنها، أنه تعرضت حوالي 827 ألف امرأة للتحرش الجنسي (مرة واحدة على الأقل) خلال سنة 2013، وأن نصيب المؤسسات التعليمية يقدر ب15 ألف فتاة. في هذا الصدد، تعزو المحامية خديجة الروكاني الأمر إلى "وجود إشكالية في القانون الجنائي (الفصل 503) الذي لا يجرم جميع مظاهر التحرش الجنسي، إلا عندما تربط المتحرش علاقة سلطة مباشرة "، ما يطرح مشكل الإثبات وتسامح القانون على مستوى النص القانوني و أيضا ممارسة هذا النص، كما تضيف الروكاني. زد على ذلك أن القانون يصمت عن التحرش الذي تعاني منه النساء و الفتيات في الشارع و في كل الفضاءات العمومية. من جهتها تضيف يسرى البراد، عضو جمعية فضاء المستقبل، إحدى هيئات فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، أن المشرع المغربي لا يعترف بالتحرش الجنسي، إلا في قانون الشغل الذي تكتنفه العديد من الثغرات القانونية وكذا في القانون الجنائي الذي يعرف فراغا قانونيا . وختاما لتصريحها تقول الروكاني "إن النظرة الذكورية السائدة داخل المجتمع و التي تعتبر أنه من حق الرجل أن يتجاوز القانون" ساهمت في تفشي هذه "الجريمة غير المسموح بها في الدول الديمقراطية". التحرش لم يعد من المحرمات تعتقد فاطمة مغناوي مديرة مركز النجدة الخاص بمساعدة النساء ضحايا العنف أن ظاهرة التحرش الجنسي في المغرب "لم تعد من المحرمات التي يمكن السكوت عنها". و تعزو ذلك "لاستقبال المركز العديد من النساء و الطالبات ضحايا تحرش يأتين لتقديم شكاوى". وبامتعاض تقول الناشطة الحقوقية إن المرأة في المغرب تختزل بصفة عامة كجسد وليس ككيان. في بداية نونبر من العام الماضي بادرت وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة المغربية، بسيمة الحقاوي، بطرح مشروع قانون يهدف لمحاربة العنف ضد النساء، بل وتتضمن بنوده عقوبات تجًرم التحرش الجنسي ضدهن تصل مدتها إلى خمس سنوات. غير أن الجدل الذي خلقه أدى إلى تأجيل مناقشته قصد التعديل. تقول فاطمة مغناوي في هذا السياق إن "العقليات لا تتماشى مع التقدم الحاصل في القوانين، مثل مدونة الأسرة". وتضيف أن جمعيتها من الجمعيات التي تطالب بسن قانون إطار يجًرم التحرش يستند على الأسس التي ينبني عليها القانون الإسباني مثلا، وهي "الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب". مقترحات بعيون التغيير " تربية جنسية سليمة، و اعتبار المرأة كإنسان و ذات تحترم، مع وجود قانون إطار من أجل الردع"، هكذا تحدثت الناشطة يسرى البراد عن الحلول الكفيلة للحد من ظاهرة التحرش الجنسي في الجامعات المغربية. و تضيف أن جمعية فضاء المستقبل تقوم بالعديد من الأنشطة و الحملات التحسيسية الموجهة للشباب و الشابات، بالإضافة إلى الاستشارات القانونية و النفسية من أجل تكسير الصمت على ظاهرة تنقص من إنتاجية نصف المجتمع في ظل وجود تحرش جنسي، حسب تعبير البراد. وعن سبل حماية الطالبات في الجامعة يرى إسماعيل " وجوب حضور تشريعات حقوقية إنسانية معاصرة لكون مثل هذه الظواهر هي نتيجة منظومة المحرمات الجنسية بسبب الأعراف و التقاليد و الدين". (*) عن موقع "دوتشيه فيله" الألماني بتصرف.