تشق لمياء الخمليشي، ابنة ال31 سنة، طريقها بحنكة واقتدار في عالم الفن التشكيلي، ولم تمنعها إعاقتها الحركية من أن تتفنن وتبدع لوحات آسرة وجميلة تثير إعجاب المتلقي، حتى وإن كان لا يلم بعوالم التشكيل. وعلى الرغم من أن لوحات الفنانة التشكيلية لمياء الخمليشي ترقى إلى مستوى جدير بالاهتمام والمتابعة، فهي لا تعتبر نفسها تشكيلية بالمفهوم الأكاديمي للكلمة، بل ترى أنها بإبداعها الفني تحاول، عبر الفرشاة والألوان، التعبير عن ما تختلج في دواخلها من أحاسيس تارة مفرحة وتارة محزنة، وهي كلها أمل في أن توصل شعورها إلى محيطها الاجتماعي، وتتلقف ليس العطف لكونها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل تتطلع إلى دعم موهبتها التي تزداد نضجا مع مرور الوقت. ولا تخفي لمياء الخمليشي شوقها وتطلعها إلى أن تبلغ ذلك اليوم الذي تصبح فيه إبداعاتها التشكيلية محط انبهار وتقدير من طرف المجتمع، وترسم بذلك طريقا للمجد في عالم الفن التشكيلي ليس من منطلق ذاتي أناني، كما تقول، وإنما لكي تبلغ رسالتها إلى العالم مفادها أن الشخص وعلى الرغم من إعاقته يمكن أن يبدع ويفجر طاقاته أسوة بباقي الأشخاص الذين يحملون نفس الاهتمام ونفس القدرات. وعلى الرغم من طول مسارها الفني، الذي انطلق في سن 12 سنة بدعم من أسرتها وأطر جمعية حنان، إلا أنها بقيت بعيدة عن أضواء الشهرة، واعتبرت أن ذلك لا يحبطها بتاتا أو يجعلها تتخلى عن حبها للفن، بل يشكل لها حافزا يوميا لسبر أغوار الإبداع التشكيلي، حتى تجد لها مكانا في الوسط الفني المحلي والوطني عن جدارة واستحقاق. ويعكس هذا الأمل الرمز الذي تتبناه في لوحاتها التشكيلية، وهو عبارة عن "حمامة بيضاء" تخترق كل رسوماتها التي تختلف زوايا معالجتها، إلا أنها تلتقي في حب الطبيعة الخضراء والسماء الزرقاء واصفرار الشمس الساطعة ولعب الأطفال الصغار. وتوضح لمياء الخمليشي، التي لا تحرك أناملها إلا لماما، أن كل لوحة على حدة مما أبدعته على مدى نحو 20 سنة باختلاف موضوعاتها وألوانها بين الزاهية والقاتمة وأحجامها وأشكالها، هي بمثابة المنارة التي تعكس عوالمها الداخلية التي تتأرجح بين الفرحة والحزن، والسرور والمرارة، وهي أحاسيس لا تخصها وحدها وإنما هي تعبير وإيحاء عن عالم الشخص المعاق ومعيشه اليومي ونظرته إلى المستقبل والآفاق التي لا يمكن أن تحدها أي عوائق. وترفض لمياء أن يؤطر فنها التشكليي في خانة "الفن الاعتباطي"، معتبرة أن فنها "فن فطري" و"تعبير صادق عن دوافنها الخاصة"، ولا يحتاج إلى دراية خاصة بالفن التشكيلي لاستنباط تعابيره الجمالية، وتفضل أن تسميه "الفن الروحي" لأنه يحمل بين طياته إرادة الشخص المعاق وعزيمته وقدرته على تخطي العوائق والصعوبات، وهو كذلك "فن واقعي" له دلالات واضحة فيه انسجام بين الظاهر والمستتر. وتؤكد لمياء الخمليشي أنها لا تسعى من خلال فنها إلى استجداء الآخر وإنما تسعى إلى الاعتراف المعنوي والتقدير، داعية فناني تطوان إلى الالتفاتة لمواهب الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتخصيص حيز مكاني لهم في مختلف المعارض والأروقة، حتى يطلع المجتمع على هذا الإبداع الذي يمكن أن يشكل مرجعا للأجيال القادمة ونموذجا حيا لمجتمع يضمن تكافؤ فرص كل مكوناته. وتتطلع لمياء إلى جعل مرسمها، الكائن بمركز جمعية حنان بتطوان، ورشة مفتوحة لصقل مواهب أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتلقينهم أبجديات الفن التشكيلي انطلاقا من معرفتها العميقة بعالم المعنيين، ورغبتها في جعل هذا الفن وسيلة أساسية لتلقين المعارف لدى الشخص المعاق حركيا وذهنيا، وإبراز قدراتهم على التعبير وتبليغ أحاسيسهم. وتعتبر لمياء الخمليشي أن سعادتها لا توصف حين ترى في عين المتلقي الإعجاب بلوحاتها، ويزيدها ذلك إيمانا بقدراتها وإصرارا على المضي قدما في مسارها الفني حتى تتبوأ موقعا خاصا في عالم الفن التشكيلي المغربي، أسوة بفناني تطوان أحمد بن يسف وعبد الكريم الوزاني وبوزيد بوعبيد والمكي امغارة والعلمي البرتولي وسعد بن سفاج. ولا تخفي لمياء عزيمتها وإرادتها من أن تبلغ يوما ما مجد التألق حتى يكون اسمها اسما بارزا في فضاء مدرسة تطوان التشكيلية، وتسبر أغوار عالم الفن، الذي لا يعترف إلا بالمجتهد والمجد والطموح والمحب للمعرفة والتعلم، وهي خاصيات بارزة في شخصيتها التي لم تزدها الأيام إلا قوة وثباتا.