قبل بضعة أيام، و في إطار استعداد الحركة الإحتجاجية التقدمية لتخليد الذكرى الثانية لإنتفاضة 20 فبراير 2011، عرفت المواقع الإلكترونية مقالات متعددة و أراء مختلفة مرتبطة بهذا الحدث، توزعت بين من حاولت تحليل الواقع الحالي للحركة الإحتجاجية و محاولة الإجابة عنه من خلال البحث عن مكامن الخلل من أجل تجاوزها، و بين المقالات المطبلة لما تسميه "المنجزات التي اتت بها ثورة الصناديق"، و التي لا ترى أي سبب لاستمرار الإحتجاج، بالإضافة إلى بعض الإنطباعات سلبية كانت أم إجابية ليست في الواقع إلا تعبيرات نفسية تتعامل مع الواقع بالعاطفة بعيدا عن الإدراك الحقيقي لتعقيدات هذا الواقع و تفاعلاته، هاته النقاشات تعكس مدى الرغبة الجامحة التي تسكن المناضلين في قيادة نضالات الشعب المغربي نحوالإنتصار النهائي على الإستغلال و الإستبداد و الفقر و التهميش. و أهمية تركيز هذا النقاش مع الرفيق مراد الصابري تتجلى في كون الرفيق مراد مناضل يعبر عن وجهة نظر سياسية و تنظيمية من داخل "حركة 20 فبراير"، و وسط الحركة الإحتجاجية بصفة عامة، مما يجعل مواقفه المعلن عنها في مقالة"حركة 20 فبراير سنتين من النضال و الصمود و التضحيات" مواقف مسؤولة،هذا من جهة و من جهة ثانية كون مقالته هاته جاءت أفكارها في شكل نقد ذاتي للمسار الذي اتخذته "الحركة"، مما يجعل نقاشها مسؤولية، من أجل تجاوز بعض الأخطاء التي طبعت إنطلاق "الحركة" و بعض التقديرات السياسية التي رافقتها و كذا الغموض الذي طبع أهدافها، و هذه الأخطاء الجميع معرض لها نتيجة لضغوط الميدان و ضغوط الزمن الذي يلزمك بسرعة إتخاذ الموقف، و بالتالي فالوقوف عند هذه الأخطاء بالنقد الذاتي ليس ضعفا و لا جبنا سياسيا بقدر ما هو تحملا للمسؤولية، ومما شجعني أيضا للتفاعل مع الرفيق مراد، هو ابتعاده عن تنزيه الذات عن دورها في تراجع الحراك، و إلقاء المسؤولية عن الآخر و فقط، من خلال تركيزه في تناول أسباب تراجع الحراك الإحتجاجي بصفة عامة و ليس "حركة 20 فبراير" و فقط على الأسباب الذاتية حتى و إن كانت للأسباب الموضوعية نصيبها في ذلك التراجع. و قبل الدخول في نقاش الأفكار التي جاءت بها مقالة الرفيق، لا بد من الإشارة إلى ملاحظة أساسية بنى عليها الرفيق أسباب نزول المقالة، و هي "خلق النقاش بين مختلف الفاعلين و المناضلين المساهمين في التجربة على أمل تجاوز هذا الوضع و استرجاع الحراك العشريني لزخمه النضالي و الشعبي"، فمن الأخطاء التي ساهمت في تراجع الحركة الإحتجاجية هي إختصارها في "حركة 20 فبراير"، فأصبحت الحركة الإحتجاجية كلها مختزلة في حركة سياسية، رؤية أصبحت معها مهمة حركة 20فبراير هي اللهث وراء جمع ما يمكن جمعه تحت جناحها بحثا عن الكم المنشود خصوصا بعد أن انسحبت الجحافل الظلامية من "الحركة"، وهذه الرؤية لا زالت هي التي تحكم الرفيق في تحليله لواقع الحركة الإحتجاجية، كما أن هناك محاولة خطيرة لإختزال نضالات الشعب المغربي طيلة تاريخه في نضالات الحركة، و الخطير فيها هو أنها محكومة بقراءة سياسية و ليست إحتجاجية، و في استمرار هذه الرؤية على الساحة استمرار لتراجع الحركة الإحتجاجية. و إذا اعتبرنا أن الأسباب الموضوعية التي ذكرها الرفيق لا يمكن الإختلاف حولها، فإن الأسباب الذاتية، جعلتني أعود بالذاكرة إلى الوراء سنتين كاملتين، أي إلى الأيام التي تلت إنتفاضة 20 فبراير، عندما كان النقاش محتدما اتجاه الإحتجاجات و إطارها الفكري و السياسي و أفقها الإجتماعي و افقتصادي إلخ، وها نحن اليوم و بعد مرور سنتين يتوصل الرفيق مراد للخلاصة التي قلناه حينذاك، أي أن الشعارات الفضفاضة و عدم الدقة فيها لن يؤِدي إلا للغموض و التيه السياسي، فالشعار المركزي الذي كان هو "اسقاط الفساد و الإستبداد يعني كل شيئ و لا يعني أي شيئ في نفس الوقت"، هنا يقف عليها الرفيق مراد و يقول "افتقاد الإطار النظري للأرضية التأسيسية... تحديد طبيعة النظام السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي السائد و كيفية تجاوزه..الرفض دون طرح البديل.."، أنا اتفق تماما مع الرفيق مراد في هذه النقطة، أي ان الحركة خلقت ضبابية وسط المعنيين بالتغيير من خلال عدم الدقة في تحديد العدو أولا و كذا في غياب بديل واضح ثانيا، لكن لنتساءل مع الرفيق عن سبب هذا الغموض، أليس البحث عن الكم الذي تحدثت عنه أعلاه هو من تحكم في هاته الأرضية؟ أليست الهرولة وراء توافقات سياسية فوقية هي من أعطت لنا شعارا مركزيا يؤطر "المعركة" و هو لا يعني شيئا؟، جميل جدا ان نقدم النقد الذاتي عن مواقف معينة و عن ممارسات معينة، ولكن دون أن نعمل على تجاوزها من خلال طرح مبادرات نضالية لتجاوزها، يتحول أنذاك النقد إلى تبرير التبرير، إن لم أقل هروبا إلى الأمام. نقطة أخرى مهمة، أهميتها تكمن في كونها كانت من النقط الخلافية وسط الحركة الإحتجاجية حول الموقف من "حركة 20 فبراير"، و هي موقع المطالب الإجتماعية في برنامج الحركة، فكان هناك من يعتبر أن هاته المطالب و التي لها ارتباط مباشر بالمواطنين، يجب أن تحظى بالأولوية، في حين كان هناك طرف آخر اعتبر أن المرحلة هي مرحلة النضال السياسي، و أن مثل هاته الملفات متجاوزة، و الرفيق مراد كان في الجانب الثاني، إلى جانب المتحمسين "للمعركة السياسية"، إلا أن وبعد سنتين أدرك الرفيق خطأ موقفه و موقف تنظيمه السياسي، حين قال في مقالته في إطار تناوله أسباب التراجع " غياب الإشتغال على المطالب المباشرة للجماهير الشعبية و رفع مطالبها وفق برامج نضالية محددة تستهدف مطالب الفئات التي تعاني الإستغلال و التهميش"، صحيح، و هذا هو موقف العديد من المناضلين، و قبل يوم 20 فبراير 2011 كنا جنبا إلى جنب مع الرفيق مراد و رفاقه نجسد برنامج من البرامج التي تحدث عنها، وكانت قاعدته الجماهيرية في تصاعد متواصل من محطة إلى أخرى، لكن القراءات السياسية الإعتباطية أخطأت تدبير المرحلة، و من شأن الوقوف على هذا الخطأ بالذات و إعادة النظر في برامج وآليات الحركة الإحتجاجية أن يعيد مسارها إلى سكته الصحيحة، أما الإستمرار على نفس النهج و بنفس الأسلوب فسيجعلنا نعيد لوك نفس الكلام و الدوران في حلقة مفرغة. كانت هذه هما النقطتين المهمتين في مقالة الرفيق مراد و الجديرتين بالنقاش، و من شأن تقدم النقاش حولهما أن يعيد بناء الحركة الإحتجاجية على أسس متينة بأهداف و برامج واضحة، أما باقي النقط التي تحدث عنها الرفيق، فلا أظن انها ستفيد النقاش، خصوصا ما يتعلق بالعدل و الإحسان، فلا يمكن أن نحملها مسؤولية تراجع الحركة الإحتجاجية أو أن نحاسبها، بل من واجبنا أن نحاسب من أدخلها للحركة الإحتجاجية و أعطى لها الشرعية، خصوصا و أن خطها السياسي و الفكري واضح و هو ضد تطلعات الجماهير المقهورة في التحرر و الإنعتاق من الإستبداد، و بالتالي فنقد خطواتها المشبوهة يجب أن يوجه لمن سعى للتحالف معها.