مرة أخري يجد الطنجاويون أنفسهم وسط حملة انتخابية حامية الوطيس، و هي فرصة من الفرص التي لا تأتي مرة واحدة في العمر كما هو معهود، على الأقل بالنسبة للمهووسين بالمقاعد البرلمانية. منهم من ظل جالساً فوقها لسنين طوال دون أن يكون ضاراً إلا لمدينته و ساكنتها، و لا نافعاً إلا لنفسه و ذويه. و منهم من جربها مرة فألِفها و لم يعد يتخيل نفسه جالسا على غيرها. و منهم من ظن أنه بالفعل قد جلس فوقها، قبل أن يستفيق و يجد نفسه لازال واقفا في نفس الوضعية، لكن هذه المرة دون الصومعة التي لم تسقط، بل سقطت مقاعد ثلاثة، و أعادت اللعبة من بدايتها، و معها أمل كبير لمن ظنوا أن أمرهم قد انتهى بهزيمة الخامس و العشرين من نونبر من السنة الماضية. الانتخابات الجزئية هذه أماطت اللثام عن كثيرٍ من الأمور، و أسقطت الأقنعة عن كثير من الوجوه التي لم تكن تلمع بقدر ما كانت تتظاهر بذلك، لإتقانها عمليات تبييض الوجوه، كتبييض الأموال و الملفات و الصفحات...، و اللعب بالكلمات على نغمات الأوتار الحساسة، التي تلين لها عقول الضعفاء، و تسافر على متنها أحلام البؤساء، و تنتفخ بها بطون السفهاء، فيما يتحسر الشرفاء من أبناء هذه المدينة على فصول هذه المسرحية السخيفة و المملة، دون قدرتهم على أداء مشهدٍ يمكن أن يكون خاتمة يصفق لها الجمهور بحرارة. و منذ أن حُدد موعد هذه الجزئية من الانتخابات، و لا حديث في المجالس إلا عن التحالفات، و التكتلات، و الدسائس، و الحيل، و كلها أمور طبيعية ألفناها، و لا نتخيل الأمر بدونها. لكنها في المقابل تؤكد أن لا شيء تغير في هذا البلد، و أن إرادة الشعب إنما هي عبارة لا وجود لها في واقع تسيير الشأنين العام و المحلي، لأن الصفقات التي اطلعنا عليها تمهيدا لاقتسام الوزيعة بين من يُسَمَّون بدهاة الصناديق الانتخابية، تؤكد أن كل شيء مخطط له، و أن الحديث عن الناخبين و الشرعية التي يستمدها المنتخبون من أصواتهم، لا مكان إنما هو وَهْم أو تَوَهُّم، و أن كل شيء مخطط له، و المخططات ليست أحادية، بل ثنائية و ثلاثية ...، و ذلك حسب ما سيأتي في القادم من الأيام من استحقاقات. و هكذا، فقد تقرر مصير رئاسة الجهة منذ الآن، بعد دعم الأحرار للدستوري المخضرم وكيل لائحة الحصان، و ذلك باختيارهم عدم خوض غمار هذه الانتخابات، و مساندتهم " للزموري" الذي يعتزم و بشدة انتزاع مقعد من المقاعد الثلاثة المتنافس عليها، و محو هزيمته السابقة، و في المقابل دعم الأخير للتجمعي " الطالبي" رئيس الجهة الحالي من أجل ولاية ثانية. و هكذا تكون الصفقة مربحة لكلا الفريقين. أما رئيس مقاطعة بني مكادة، فبعد قفزاته المتوالية و المتباعدة من الأحرار إلى البام ثم إلى الاستقلال، فقد أوصلته نَطَّاتُه هذه المرة إلى الحركة، و بعد مد و جزر، و أخذ و رد، و توصيات و تدخلات من هنا و هناك، استطاع الحصول على تزكية حزب وزير الداخلية، التي يبدو أنه فضل وضعها في جيبه عوض مكتب الشؤون العامة، و لأنه متأكد من استحالة تحقيق نتيجة إيجابية في ظل صراع من يوصفون بالأقوياء على مقعد يتفق الجميع أنه مُنْتَزَع من العدالة لا محالة، اختار القبول بالانسحاب مقابل دعمه في استحقاقات قادمة، أغلب الظن أنها تلك المتعلقة بتجديد ثلث مجلس المستشارين. أما بقية المنازلين، فأغلبيتهم يعتمد قاعدة " المهم هو المشاركة " باستثناء البَامِي هادم الصومعة على رؤوس أصحابها، و الذي استطاع أن يعيد عقارب الساعة شهورا إلى الوراء، و بذلك يضع حزبه أمام فرصة تحقيق فوز آخر بأحد مقاعد دائرة طنجةأصيلة الخمسة. و ليس غريباً أن تُظهر لنا هذه المناسبة ما خفي من أهداف من ظلوا يركبون على مطالب الساكنة، ويدَّعون قيادة المجتمع المدني بكل حيادية، و الوقوف أمام أطماع الفاسدين بندية، فيكونون من أوائل الذين يضعون ملفات ترشيحاتهم لخوض غمار هذا السباق، ضاربين عرض الحائط بكل المبادئ والشعارات التي ظلوا يرفعونها كلما سخنت رؤوس المواطنين، و ارتفعت احتجاجاتهم ضد أي استغلال، و ما أكثر ما استُغلت هذه المدينة و مَا و مَنْ عليها. و باختصار شديد، ففي مثل هذه المناسبات يتأكد و بدون ملابسات أن لا رأي للمواطن أبدا في ما يجري و يدور من شؤون هذه البلاد، و أن من الكعكة موزعة مُسبقا قبل خروجها فُرْنٍ وَقُودُ نارِه هموم الناس وآلامهم، وأن ممثلي الأمة بالمؤسسات المنتخبة هم فعلا ممثلون محترفون ، يتقنون كل فنون الدراما والكوميديا، بل و حتى "الآكشن"، و جلسات البرلمان، و دورات المقاطعات و الجماعات خير دليل على ذلك. أما من كان طنجاوياً فله فرصة أسبوعين لاكتشاف طيبوبة، و حنان، و تواضع، و كرم، و أخلاق، و نزاهة، و وِد، و حسن معاملة...من تموقعوا على رؤوس اللوائح المتبارزة، قبل أن تسقط تلك الصفات مع سقوط أقنعة الشخصيات المُتَقَمَّصة، في ليلة القبض على المقاعد الثلاثة من الخمسة – و ما أدراك ما الثلاثة من الخمسة - ليتبين أمرهم، و يتأكد أنه لم يكن سوى أمام مَشاهد من مسلسل الاستثناء المغربي، بما أننا استحلينا هذه الكلمة لما تحمله من إجابات على كل الأسئلة المتعلقة بالتحول الديمقراطي، و التغير الذي هو عنوان الألفية الثالثة، في ظل موضة الصراخ، و الكلام المباح.