كانت العادة وماتزال عند المرأة المغربية أن تعد بيديها "الكريمتين" شتى أصناف الحلويات والمأكولات الخاصة بمناسبة عيد الفطر، ما تزال العادة هي نفسها رغما عديد التغيرات التي شهدها المجتمع عبر الأزمنة جعلت فئة من الناس يستغنون لعدة أسباب عن إعداد حلويات العيد في البيوت والاكتفاء باقتناء ما تقدمه المحلات التجارية وغيرها.. فما أن يقترب العد العكسي لانتهاء شهر رمضان الفضيل، حتى تبدأ مرحلة الاستعداد من أجل تنفيذ عملية ما يشبه فيلم "الهروب الكبير"، الهروب إلى الأسواق من أجل اقتناء: حبة حلاوة، الزنجلان، الكاوزة، النافع، الزبدة ماركارينا بالخصوص، خميرات، وكميات وفيرة من الفواكه الجافة والتي يتربعه على عرشها كل من الفول السوداني (البٍّيَانْ كما هو معروف عند أهل طنجة) أو الكاوكاو، ثم هناك الكركاع (الشبيه بالمخ بالدماغ شكلا) واللوز (المفيد ن اللي كيقشرو ويديها فراسو)، والتمر والزبيب، وغيرها من "الأكسسوارات" التي لا يستقيم حال حلوى عيد الفطر إلا بها. نستحضر من حين لآخر أيام الصبا وطفولة الجمال والبراءة، حينما كانت الأمور في معظمها بسيطة وإيقاع الحياة أحلى وأبسط، كان ارتباطنا بالأرض قويا إلى أبعد الحدود، ولهذا كانت كل الألعاب التي نمارسها "أرضية" بامتياز من: الطرومبات إلى البومبات، الكروسات التي كانت عبارة عن مركبات خشبية، الملاقف، خمسة حجيرة، ماسة (كرة القدم الثنائية)، تقطيع الرجلين، سابسابوت، ومباريات الكراطي تأثرا بأفلام ببروسلي وأميتاب باتشان وتشاك نوريس. كنا نتسمر أمام شاشات التلفاز مساء كل أربعاء لنشاهد واحدا من أفلام فنون الفتال على "أنتينا طريس" الإسبانية"، أما الذين كانوا يكبروننا سنا فكانوا أوفر حظا في الذهاب إلى السينما ، للاستمتاع بأفلام الراكيش والطويل (قاعات سينما: مبروك، المغرب، طارق كويا، باريس، موريتانيا ...)، وغيرها من القلاع السينمائية التي كانت شاهد عصر مهم على مرحلة جميلة مرت مرور الكرام والعظماء. أتذكر ألعاب خصصناها لشهر رمضان، نصنع الطبل من سطل طلاء غير مستعمل ونغلفه بورق بلاستيكي والهدف هو تقليد طبال السحور، ونصنع مقود دراجة نارية عبر الاعتماد على علبة قالب علبة مربى حديدي (الَلاطَة د الصارصا د توماطيش وما شابه)، ونحدث ثقبين على جانبيه من خلال سلك حديدي قوي تلصق به شمعة مشتعلة وتصير العدة جاهزة. وفي الليلة د 26 رمضان يبدأ تشويق من نوع خاص، نشتري "الحلفة د السلك" ونحولها إلى شهب اصطناعية لا يكاد مداها يتعدى 3 أمتار، ننتظر موعد الإفطار، ونتلصص على هواة افتعال المشاكل الذين سارت لغة الوقت الحالي تسميهم "بالمترمضنين"، ولعل حالهم كان أفضل من حال "التكتوكيين" والباحثين عن "كبسوا كبسوا". حركة غير عادية عند مدخل "الفران د الحومة"، عشرات الصواني في حوار ثنائي مع "المعلم" الذي لا يكل جهدا في إضفاء لمسته الخاصة على حلوى العيد، والويل كل الويل له إن نسي أمر واحدة من هاته اللوحات إذا ما أصابتها لعنة الجمر (تحرقت). فلن يكون نصيبه التهنئة بحلول العواشر، ولكن وشلال من "التكوال" كما كان يحدث في الحمامات النسائية أيام الغاسول والحنة والمشطة صفيا صفرا وشامبوان كادوم وDop. صديقنا المعلم لا يمتلك سلاح "أر بي جي" ولا "كلاشينكوف"، كل زاده "مطرح" على شاكلة الزانة التي كان يقفز بها العداء والبطل الأسطورة الأوكراني سيرجي بوبكا محطما أرقاما خيالية، حدث ذلك قبل أن يقرر بوتين غزو أوكرانيا وانطلاق معركة اقتسام كعكة بواطن الأرض بما جادت. بوتين أقصد المعلم د الفرات الجمر أمامه وقطع الحلوى وراءه، وليس له من حل سوى مجاراة إيقاع "الصواني" المتعددة الأحجام والأشكال، تختلط أنسام الكعاب بالحلوى د الخليط بالغريبية بالكعاب؛ الحلوى د التمر، الحلوى د كوكو، والملوزة، والحلوى د الماكينة، ولكل أسرة رزقها، وتصير وصلة الخبز في هذا المقام كالذاهبة إلى العرس بلا "عراطة". صباح العيد وبعد الصلاة كنا نقود "هجوما " كاسحا على منازل أفراد العائلة لنحظى بنصيبنا من الدراهم .. 5 دراهم "د الورقة "كانت بمثابة حلم الفوز بالذهب الأولمبي، أما علية القوم فلهم دراهمهم ولنا دراهمنا. "أرا أولدي نخبع لك حتى نشري ليك بهم شي حاجة"، هههه.... هذا هو "الكود" الذي كانت تتقنه جل الأمهات، اللواتي من فرط حبهن لنا، لم يكن ليسمحن أن نبذر ميزانية العيد في أمور تافهة، خصوصا وأن "السقاطة" كانت تفعل فينا مفعولها، من منا لا يتذكر رايبي قاصح، وقطع الكالينطي، وكؤوس الصرصا بالألوان، والبوكاديو د التن والزيتون والبصل؟؟. نظام اقتسام الحلوى د العيد داخل البيوت كان يخضع لرقابة صارمة، خط أحمر وأصفر وأخضر لا ينقصه سوى الشرطي، فلا حظ ولا حق فيها إلا في حضور المجمع العائلي، فلم نكن ننعم بالغنيمة الكبرى إلا عند زياراتنا للعائلة، من أجل الظفر بالحلوى وجمع دراهم العيد الخاصة بنا كأطفال صغار، فأما من أمدنا بقطع رمادية أو أوراق كان من الأعزاء المقربين، وأما من جاهد في البحث داخل "بسطامه" المهترئ" عن 20 سنتيم الصفراء، التي ليس فاقع لونها ولا تسرنا كناظرين منتظرين، فالثبور له والحرب عليه أمست خيارا لا بديل عنه، إنه كان من البخلاء الضالين وحل عليه سخطنا إلى يوم يفحمنا بدرهم أو درهمين... أين "سطل" الحلوى، وقد مر الأسبوع الأول لحلول العيد؟، لا رجوع أبدا كما قال رجل ذات يوم، سوف نزحف عليك يا سطل بأصابعنا، وسنفتش البيت شبرا شبرا، غرفة غرفة، تحت "اللورنية"، و"السهوة" وفوق سطح الثلاجة العالية وغيرها. قطع الحلوى كانت أكبر إغراء لنا، هي الجائزة إن كنا مؤدبين، وهي أداة العقاب إن كنا من الغاوين الكاذبين على أمهاتنا على وجه الخصوص، لم نكن نسمع مطلقا عن البيتزا والماكدو والبانيني ولغة الديفيدي ولم يكن هناك لا وتساب ولا أنستا كانت هناك فقط سفناب. وفي الختام، وجب تجديد التأكيد على أن حلوى العيد قيمة كبرى في يد امرأة كبيرة وعظيمة، هي المرأة المغربية الطيبة/ المخلصة، الحنونة، الفنانة التي تجيد كل شيء قبل أن تفكر في أي شيء، نريدها أن تستمر على نفس المنوال، حلوى البيت لها رونقها وسحرها وأشياء أخرى. نريد سيدة البيت كانت أما أو زوجة أو أختا .. أن لا تحرمنا من حبها، ولا من حلاوة لسانها وتعاملها ولا من حلوى صنعتها بيديها .. ولا مانع في أن تخبئ الحلوى أينما شاءت، المهم أن يظل "السطل" هو السر الذي لم نصل معه يوما إلى الحل.