في حدود الساعة الرابعة مساء، يتحول شارع طارق بن زياد، بحي "الإدريسية"، إلى شريط طويل من السيارات المتوقفة. من قصر البلدية إلى ساحة دار التونسي، يمتد طابور من المركبات بالكاد يتحرك، فيما تتعالى منبهات السيارات التي تُطلِق صرخاتها وسط مشهد اختناق مروري مألوف في طنجة، خاصة مع اقتراب موعد الإفطار. ولا يختلف الوضع كثيراً في شوارع أخرى: شارع الجيش الملكي (طريق الرباط)، طريق تطوان، شارع فاس، الزياتن، وطريق الرباط. كلها محاور أصبحت تُصنَّف في خانة "النقط السوداء"، حيث تتكرر مظاهر الازدحام، ويجد السائقون أنفسهم في دوامة من الانتظار، دون مؤشرات فورية على التحسن. وفي محيط إحدى الإشارات الضوئية الجديدة بوسط المدينة، يقول سائق سيارة أجرة: "الإشارة كتبقى خضرا للجهة الأخرى دقيقتين، وإحنا ما كندوزوش حتى دقيقة… النتيجة هي تراكم السيارات فالمدارات". يعكس هذا التصريح انطباعا سائدا بين مستعملي الطريق، الذين يشككون في نجاعة النظام الجديد لتدبير حركة السير، رغم أنه وُضع على أساس دراسات تقنية أنجزها مكتب مختص في مجال التخطيط الحضري. في الأشهر الماضية، شهدت طنجة تركيب منظومة جديدة للتشوير الطرقي، تقوم على إشارات ضوئية ذكية موزعة في عدد من المحاور الرئيسية. ويهدف هذا النظام، حسب القائمين عليه، إلى تحسين السلامة الطرقية، وتنظيم حركة العربات بشكل أكثر فعالية، استنادا إلى معطيات لحظية حول كثافة المرور. المشروع لا يُعتبر ارتجاليا، بل جزء من برنامج متكامل أعدّ بشراكة مؤسساتية، ووفق ما أكدته جماعة طنجة، فإنه جاء "استناداً إلى مخرجات دراسات دقيقة"، علماً أن بعض المحاور المعنية تسجل مرور آلاف العربات في ساعة واحدة، وهو ما يجعل تدبير تدفقها تحديا حقيقيا. ومع ذلك، تبدو النتائج على الأرض بعيدة عن طموحات التصور النظري. فالازدحام لا يزال حاضراً، بل في تصاعد خلال فترات معينة، وغياب حملات توعوية موازية لتفسير التعديلات المرورية جعل فئة واسعة من السائقين تتعامل مع التغيير بكثير من الارتباك أو الرفض الضمني. إحدى الإشكالات التي تعيق فعالية التشوير الجديد، بحسب مراقبين، هي عدم مرونة بعض الإشارات مع التفاوت الفعلي في كثافة العربات بين اتجاه وآخر. وبحسب بعض المراقبين فإن الأمر لا يرتبط فقط بتكنولوجيا التشوير، بل بمنهجية المراقبة الميدانية، والقدرة على التكييف المستمر بناء على الواقع، وليس فقط على البرمجة السابقة. وإلى جانب الإشارات، تعاني بعض الشوارع من مشكل الوقوف العشوائي، الذي يزيد من حدة الاختناق، خاصة في محيط الأسواق والمساجد والمرافق الإدارية. كما تظل بعض المدارات الكبيرة دون تأطير بشري في الفترات الحرجة، مما يؤدي إلى ارتباك في أولويات المرور. وفي حوار صحفي سابق، أكد رئيس جماعة طنجة، منير ليموري، أن "الجماعة واعية تماما بالتحديات المرتبطة بحركة السير، وأن مشروع التشوير الذكي جزء من رؤية متكاملة لتحسين البنية المرورية للمدينة". وأوضح أن المشروع يستند إلى معطيات علمية، وأن نتائجه ستظهر تدريجياً على أرض الواقع، بالتكامل مع مشاريع أخرى قيد الإنجاز في مجال التنقل الحضري. لكن، وعلى الرغم من هذا الخطاب التطميني، يبقى الإحساس العام لدى السكان أن المدينة تعيش حالة من الضغط المفرط على مستوى السير والجولان، دون حلول ملموسة في المدى القريب. ومع الاستعدادات الجارية لاحتضان تظاهرات كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم سنة 2025، وكأس العالم 2030، تجد طنجة نفسها أمام اختبار يومي في تدبير السير داخل مجال حضري يزداد تعقيدا، بفعل الكثافة السكانية والتمدّد العمراني وتزايد عدد العربات الخاصة. وبين واقع الاختناق، وطموحات التحول إلى مدينة ذات بنية مرورية حديثة، تظل الإشارات الضوئية تومض، والسائقون يتأففون، في انتظار أن تُترجم المشاريع المعلنة إلى نتائج يلمسها المواطن في مساره اليومي.