عاد ملف الهجرة في مدينة مليلية المحتلة إلى الواجهة بعد قيام سلطات المدينةالمحتلة بنقل مجموعة من طالبي اللجوء إلى فندق، إثر منعهم من دخول مركز الإقامة المؤقتة المخصص للمهاجرين من قبل ممثلة الحكومة الإسبانية في المدينة. وأثار هذا الإجراء جدلا حادا في الأوساط السياسية الإسبانية، حيث اتهمت سلطات مليلية المحتلة حكومة مدريد بالتخلي عن مسؤولياتها، بينما اعتبر مراقبون أن القرار يعكس صراعًا داخليًا بين الأحزاب الإسبانية أكثر مما هو تعاطٍ حقيقي مع الأزمة الإنسانية التي يعيشها المهاجرون. وتحمل خطوة سلطات مليلية التي يقودها الحزب الشعبي أبعادا متعددة، فمن جهة، تحاول تقديم نفسها كمدافع عن القيم الإنسانية في مواجهة ما تصفه بالتقصير الحكومي، ومن جهة أخرى، تستثمر في التوتر القائم بين مدريد وممثليها في المدينةالمحتلة، بهدف تعزيز موقعها السياسي. ووصف حاكم مليلية المحتلة، خوان خوسيه إمبرودا رفض مدريد السماح للمهاجرين بدخول مركز الإقامة بأنه "غير إنساني"، موجها أصابع الاتهام إلى مندوبة الحكومة المركزية سابرينا موه، القيادية في الحزب الاشتراكي. ويأتي هذا التوتر في سياق أوسع يرتبط بالوضع الخاص لمليلية المحتلة، حيث تحاول مدريد فرض إجراءات متشددة للحد من تدفقات الهجرة، معتمدة على تدابير بيروقراطية تعيق وصول طالبي اللجوء إلى حقوقهم القانونية. وأدى فرض الحجز الإلكتروني كشرط لتقديم طلبات اللجوء إلى إغلاق الباب أمام العديد من المهاجرين، الذين باتوا عالقين في الشوارع في ظروف صعبة. ويرى مراقبون أن السياسة الإسبانية في المدينةالمحتلة تحكمها هواجس أمنية أكثر من الالتزامات القانونية، حيث تسعى مدريد إلى إبقاء السيطرة على مليلية بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب انتهاك المعايير الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين. ولا يخلو الموقف الذي اتخذته حكومة مليلية المحتلة من حسابات سياسية، حيث يستغل الحزب الشعبي هذه الأزمة لتوجيه انتقادات حادة للحكومة المركزية التي يقودها الحزب الاشتراكي، في ظل أجواء مشحونة بين الطرفين. ويعتبر مراقبون أن هذه المزايدات السياسية تعكس طبيعة المشهد داخل الثغر المحتل، حيث تسعى السلطات إلى تقديم نفسها ككيان مستقل عن مدريد، في محاولة لتعزيز نفوذها أمام الرأي العام المحلي. وتتجاوز تداعيات هذه الأزمة الحسابات السياسية الداخلية في إسبانيا، إذ تطرح تساؤلات حول تعامل مدريد مع ملف الهجرة في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، اللتين تستخدمهما كمنطقتين عازلتين لمنع تدفق المهاجرين نحو الداخل الإسباني. ويثير هذا الوضع انتقادات متزايدة من منظمات حقوقية، ترى أن الحكومة الإسبانية تعتمد سياسة إقصائية تجاه طالبي اللجوء في المدينتين المحتلتين، ما يتناقض مع التزاماتها الدولية. وفي ظل هذا المشهد، يستمر المهاجرون العالقون في مليلية المحتلة في مواجهة مصير مجهول، بين تعقيدات إدارية تفرضها مدريد وصراع سياسي داخلي بين ممثليها في المدينة، في وقت تتزايد فيه الضغوط الحقوقية على إسبانيا لمراجعة سياستها تجاه اللاجئين والمهاجرين في الثغرين المحتلين.