بعد الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2024، الذي نوه فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بالموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء المغربية، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب،زيارة لها أبعاد ودلالات قوية، زيارة لها وزن. لقد حدد جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره أسلوب المغرب في تعامله مع الدول، واعتبر أن القضية الوطنية الأولى هي نظارة المغرب للعالم بها يقيس صدق العلاقات ونجاعة الشراكات كما أكد على ذلك جلالته حفظه الله ورعاه في الخطاب السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب سنة 2022، كما دعا الشركاء التقليديين بتوضيح مواقفهم والخروج من المنطقة الرمادية، وقبله في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2021، كان خطاب جلالته واضحا، حيث شدد فيه بأن المغرب لن تكون له أي شراكة تجارية أو اقتصادية مع أي دولة لا تحترم وحدتنا الترابية. لقد استوعبت فرنسا مضامين الخطب الملكية السامية واستوعبت فحوى الدبلوماسية المغربية القائمة على الحزم والواقعية، وبالتالي قررت توضيح موقفها تجاه قضيتنا الوطنية وأيدت مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب إلى منظمة الأممالمتحدة سنة 2007. إن زيارة إيمانويل ماكرون والتي ستستغرق ثلاثة أيام، تحمل في طياتها دلالات مهمة، حيث أن فرنسا لم تكتفي فقط بالإعتراف بمغربية الصحراء، بل انتقلت نحو الشراكات الاستثنائية الاستراتيجية عبر هاته الزيارة، زيارة لها وزن إقتصادي بإمتياز، ونفتح قوس هنا بأن هذه الزيارة لم تقتصر فقط على الجانب الإقتصادي، بل شملت أيضا مباحثات همت القضية الفلسطينية، فجلالة الملك أمير المؤمنين، رئيس لجنة القدس يبذل مجهودات جبارة لخدمة السلام، ويعتبر جلالته القائد العربي الحكيم الأكثر دفاعا عن القضية الفلسطينية قولا وعملا. بقراءة لعدد الإتفاقيات الموقعة بين المغرب وفرنسا، يوم الإثنين 28 أكتوبر 2024، نجد 22 إتفاقية، همت قطاع السكك الحديدية لاسيما القطار فائق السرعة، والمغرب مقبل على استحقاقات مهمة، من أهمها كأس العالم 2030، كذلك نجد قطاع البنيات التحتية، واللوجستيك، والماء، الإستثمار، الحماية المدنية، مواجهة حرائق الفضاءات الطبيعية،والطاقات المتجددة، على سبيل المثال لا الحصر برنامج عرض المغرب بخصوص الطاقة الهيدروجينية، ثم نجد التغيرات المناخية، والثقافة وقطاع التربية والتعليم العالي، البحث العلمي، اتفاقيات مع المكتب الشريف للفوسفاط. إفريقيا حاضرة بقوة في هذه الإتفاقيات، فالمغرب لا يفكر في مصلحته فقط بل في مصلحة القارة الإفريقية وسيكون صلة وصل بين فرنسا-الإتحاد الأوروبي وإفريقيا. وما يميز هذه الإتفاقيات أنها شملت الأقاليم الجنوبية، بمعنى الإنتقال من الإعتراف إلى الأجرأة والتنفيذ على أرض الواقع. إن الدبلوماسية الاقتصادية التي يتميز بها العهد الجديد تحت القيادة الرشيدة لمولانا الإمام أسماه الله وأعز أمره، أعطت أُكلها وثمارها، فالقرن الحادي والعشرين هو قرن إقتصادي بإمتياز، والمؤسسة الملكية تعرف جيدا بأنه من يملك الإقتصاد يملك القوة وبالتالي تسعى جاهدة لجعل الإقتصاد المغربي في مصاف الدول المتقدمة. إن حجم هذه الإتفاقيات وحجم التمويل المرصد لها يعكس جليا الوزن الحقيقي للمغرب داخل القارة الإفريقية، بفضل القيادة المتبصرة لجلالة الملك حفظه الله ورعاه وبفضل الإستقرار الذي يعرفه النظام السياسي المغربي، فالمغرب يحتل الريادة الإقليمية. إن العهد الجديد يعرف جيلا جديدا من المشاريع الإقتصادية، تدل بالملموس على أننا ملكية متكلمة، تتكلم بالأفعال، ملكية تعمل بمقومات التخطيط الإستراتيجي، ملكية المشاريع والأوراش الكبرى، فالمتتبع للشأن الوطني يرى أن المؤسسة الملكية في العهد الجديد تعمل على جلب المشاريع والحضور في حفل توقيعها وتعمل على تتبعها وتنفيذها، بمعنى نحن أمام ملكية تشتغل بأجندة زمنية، ملكية تضع مصالح الوطن فوق كل شيء، وسنختم بمقتطف من الخطاب السامي بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2017:"… فالمغرب يجب أن يبقى فوق الجميع، فوق الأحزاب، وفوق الانتخابات، وفوق المناصب الإدارية. شعبي العزيز، إني أعتز بخدمتك حتى آخر رمق، لأنني تربيت على حب الوطن، وعلى خدمة أبنائه. وأعاهدك الله ، على مواصلة العمل الصادق ، وعلى التجاوب مع مطالبك ، ولتحقيق تطلعاتك…". *دكتور في القانون العام