يشكل اليوم العالمي للتوحد، الذي يصادق الثاني من أبريل من كل سنة، فرصة للتحسيس بالداء، والترافع لفائدة الأشخاص التوحديين حتى ينالوا حقوقهم كاملة، ويتسنى لهم الاندماج في المجتمع، الذي لايزال يجد صعوبة في فهم المرض وتشخيصه.ويندرج الاحتفال بهذا اليوم، في إطار تفعيل توصية الأممالمتحدة لسنة 2008، التي تهدف إلى محاربة كل أشكال الجهل والتهميش والتمييز ضد الأشخاص التوحديين، كما يعتبر مناسبة لتسليط الضوء على هذا الاضطراب الذي يصيب النمو العصبي للانسان ويؤثر بشكل شديد على تطور وظائف العقل. ويتيح اليوم العالمي للتوحد أيضا مناسبة لاستعراض التجارب الوطنية والدولية التي تجعل من التوحد قضية للدراسة، ومواكبة التطور المسجل في الميدان العلمي والتربوي المتصل بالداء، وإبراز التجربة التي راكمتها المؤسسات العمومية وجمعيات المجتمع المدني في الترافع لفائدة الأشخاص التوحديين وتحسين وضعيتهم ودعم عائلاتهم، بما يسهم في إدماج هذه الشريحة في بيئتها التربوية والسوسيو اقتصادية. ووفق منظمة الصحة العالمية، فأعراض التوحد، الذي يطال طفلا واحدا من بين 160، تشمل سلسلة من الاعتلالات التي تتصف بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل والمهارات اللغوية إلى حد ما، وضيق نطاق أوجه الاهتمام والأنشطة التي ينفرد بها الشخص المعني وتتسم بتكرارها. وترى المنظمة أنه من المهم بعد التعرف على اضطراب طيف التوحد، أن تتاح للمصابين ولأسرهم المعلومات الوجيهة والخدمات والفرص، لإحالتهم على المرافق المختصة وتمكينهم من الدعم العملي حسب احتياجاتهم الفردية. احتياجات في مجال الرعاية الصحية تتسم بتعقيدها، وتستلزم مجموعة من الخدمات المتكاملة، تشمل تعزيز الصحة والرعاية وخدمات إعادة التأهيل والتعاون مع قطاعات أخرى، مثل قطاعات التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية.وفي ما يتعلق بالمخطط الوطني للصحة والإعاقة 2021/2015 في شقه المرتبط بتحسين التكفل باحتياجات الأشخاص في وضعية إعاقة، ومن ضمنهم الأشخاص التوحديون، أبرمت وزارة الصحة اتفاقية شراكة مع ائتلاف التوحد بالمغرب، الذي يهدف إلى تنظيم دورة تكوينية كل سنة لفائدة 120 مستفيدا، من بينهم مهنيو الصحة والمكونون المنضوون تحت لواء جمعيات المجتمع المدني وكذا عائلات الأشخاص التوحديين.ويتم إعداد البرنامج المتعلق بالدبلومات الإشهادية لفائدة المكونين الجهويين المتخصصين في التكفل بالأشخاص التوحديين، الذي يهدف إلى إشراك كافة المتدخلين، والتشخيص المبكر وإدماج كل مستويات الخدمات الصحية، ومواكبة التوحديين منذ طفولتهم بغية تمتيعهم بمستوى رفاه معتبر، كما يسعى إلى تكوين مجموع فاعلي الخدمات الصحية حول أبعاد الداء وتشجيع الممارسات الجيدة لدى مهنيي الصحة.وكانت الوزارة قد أرست مخطط التوحد، الذي يروم التحيين الدوري لمجموعة المعارف حول التوحد وتحليل احتياجات الأشخاص التوحديين، وتحسين مستوى تكوين المهنيين في مجال التشخيص والتكفل المبكرين، وتعزيز الخدمات الصحية المتعددة، كما يهدف إلى ضمان الالتقائية بين السياسات القطاعية المؤسساتية وغير المؤسساتية، وتبني إطار قانوني وقيمي لمواكبة الأشخاص التوحديين.وحسب رئيس جمعية “التغلب على التوحد”، السيد امحمد ساجيدي، فإن إشكالية داء التوحد بالمغرب تكمن في الجهل التام بالمرض، نافيا كل التمثلات الخاطئة حول التوحد والتي لاسند علمي لها.وأكد السيد ساجيدي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الآباء المعنيين بالداء يعانون وحدهم لكي يتمكن أبناؤهم من التعليم والخدمات الصحية، مسجلا جهل المجتمع المغربي بالداء الذي لايساعد على إدماج الأشخاص التوحديين. وذكر بأن تشخيص الداء سريري صرف وليس طبيا، فعبر ملاحظة سلوكيات الأشخاص التوحديين يشخص الداء، وغالبا ما يلجأ الآباء إلى طبيب عام أو طبيب أطفال، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الجمعية تقوم بعمل دؤوب يروم الدفاع على حقوق الأشخاص التوحديين، والتعريف بالداء والتكفل بالمصابين به. وشدد رئيس الجمعية على أهمية إرساء مفهوم (فيتيروسكول) المخصص للأطفال التوحديين، الذي ينبني على تكفل سلوكي وتربوي ومشخصن وتطوري، سيرى النور في المغرب، عبر إحداث تكوينات تتعلق بالتوحد وبالتحليل المعمق للسلوك.وتقترح جمعية “التغلب على التوحد” تكوينات نظرية وتطبيقية في مجال التحليل المعمق للسلوك مفتوح لفائدة آباء الأشخاص التوحديين من جهة، ومن جهة أخرى لفائدة المهنيين المتكفلين اجتماعيا بهذه الشريحة داخل المؤسسات والجمعيات. من جهتها، أشارت سمية العمراني، عن تحالف الجمعيات العاملة في إعاقة التوحد، إلى أن الأشخاص التوحديين لايزالون يواجهون إكراهات متعددة تعرقل نموهم وتطور كفاءاتهم واندماجهم الاجتماعي، وعلى المدى البعيد إمكانية تمتعهم باستقلاليتهم. وسجلت العمراني في تصريح مماثل، أن هذه الإكراهات تبتدئ منذ الطفولة بسبب العجز الملموس في تكوين مهنيي الصحة حول وسائل التشخيص المبكر، معتبرة أنه وحتى إذا استفاد التوحديون من التشخيص المبكر، تواجه عائلاتهم ندرة المهنيين المكونين حول مقاربات تربوية سلوكية.ونوهت عمراني بالدينامية المهمة التي يشهدها الميدان بفضل جهود المجتمع المدني وكافة المتدخلين، عبر حملات التوعية والتحسيس حول داء التوحد، كتلك التي يقودها تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية.وشددت على الحاجة إلى تبني مقاربة تشاركية لإيجاد حلول على المستوى المحلي لفائدة الأشخاص المعنيين وعائلاتهم، وبالأخص في المناطق التي تعاني من الهشاشة، داعية إلى العمل على الاعتراف بداء التوحد كتنوع بشري، يتعين اعتباره كملكات تطورية للأشخاص المعنيين، والقضاء على كل نظرة إقصائية تنبني على نموذج طبي صرف، وعلى معالجة مسألة التوحد من زاوية المسؤولية التي يتشاطرها كل الفاعلين. فالانصهار المجتمعي بالنسبة للأشخاص التوحديين لا يزال أمرا صعب التحقيق، نظرا لخصوصية المرض، لكن الغاية تبقى تمتيعهم بالحقوق الأساسية، إعمالا لقاعدة عدم قابليتها للتجزيئ وعموم الاستفادة. *و م ع