كما العادة، تشكل خطب صاحب الجلالة لحظة سياسية دقيقة، ترسم مسارات استراتيجية لمستقبل بلادنا في مختلف المجالات، بسبب عمق ودقة التوجهات التي تحملها، لذلك لا غرابة من حجم التفاعل الداخلي والدولي الإيجابي مع مضمون خطاب العرش الأخير، لاسيما في علاقته مع الدبلوماسية الملكية الحكيمة في الدفاع عن وحدتنا الترابية، أو من خلال رسم علاقات حسن الجوار مع الدول الشقيقة، وكذا الموقف الراسخ للمملكة المغربية في دعم الشعب الفلسطيني في التمتع بكافة حقوقه المشروعة. وفي هذا السياق؛ جاء خطاب العرش لهذه السنة بتوجهات وبأجوبة دقيقة، لقضايا ظلت تؤرق بالنا كفاعلين سياسيين وحقوقيين، وعلى رأسها قضية الاهتزاز الذي تعيشه منظومة القيم على المستوى الدولي، بما يطرحه ذلك من أسئلة عالقة ومشتتة أمام كل الفاعلين، فكان الجواب الخلاص على لسان صاحب الجلالة حين دعا إلى ضرورة التمسك بقيمنا الدينية وبثوابتنا الوطنية الراسخة وبتقوية أواصر الترابط العائلي والاجتماعي لمواصلة بناء مجتمع مغربي أكثر تضامن، في سمو فكري وروحي راق جدا. ثاني القضايا التي كانت تؤرق بال كل المتتبعين هو النموذج التنموي الذي يجزم الجميع أنه يحتاج إلى شيئ ما، فكان الجواب الخلاص والفكر الثاقب لصاحب الجلالة بكون هذا النموذج التنموي بلغ مرحلة جد متقدمة من النضج، فما المطلوب؟ فكان الجواب بضرورة الانتقال بنموذجنا التنموي إلى آفاق واسعة من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، وتملك توجيهاته الاستراتيجية المبنية على عدد من المبادئ العلمية والقيم الإنسانية. وأمام كثرة الأوراش التنموية وتقاطع والتقائية الكثير من البرامج الإصلاحية وتشابك العمل المؤسساتي، ورغم ذلك كلنا كفاعلين سياسيين نشعر بأن هناك نقص في النجاعة رغم أن هذه الأخيرة سارت مطلبا قانونيا وواقعيا يلزم الكثير من القطاعات، غير أن هناك شيء ما ناقص، فكان الجواب العميق على لسان صاحب الجلالة ألا وهو الحاجة إلى الجدية، نعم العمل والإصلاح بدون الجدية المطلوبة لن يحقق الأهداف والنتائج المرجوة. وأما إقرار صاحب الجلالة لخيار الدعم المباشر للأسر المستهدفة في مجال الحماية الاجتماعية نهاية السنة الجارية، والمطالبة بالجدية في باقي القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والسكن والشغل، هو دعم واضح للمرأة المغربية ولنضالاتها، ودعم بطريقة كريمة وحكيمة لأدوارها الاجتماعية والاقتصادية. إن الربط الدقيق في الخطاب الملكي بين الأجوبة على القضايا الداخلية الحارقة، ورسم آفاق التعامل مع الأسئلة والتحديات الدولية الطارئة، يعكس بجلاء حجم التفكير الاستراتيجي لملكنا، ويبرز كاريزما خاصة تفتقدها الكثير من القيادات. حفظ الله ملكنا الحبيب وأعاد عليه وعلى بلادنا عيد العرش المجيد بالمزيد من التألق والازدهار. (*) برلمانية عن جهة طنجةتطوانالحسيمة؛ عضو لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب