ألاحظ ظاهرة مؤلمة وشائعة في كل الطبقات الاجتماعية المغربية، حيث يضطر العروسان للسكن مع أبوي الزوج و سرعان ما تتحول العروس إلى خادمة لِ "العْكوزَة وْ الشيخ" نهاراً وجارية لزوجها ليلاً. ورغم النزاعات التي تحصل عبر الاجيال في كل هذه الحالات والتي تنتهي في معظم الأحيان بالطلاق أو الاستقلالية السكنية للزوجين مع رواسب العداوة الناتجة بين العروس وأبوي الزوج فما زالت تتكرر نفس الأخطاء إلى يومنا هذا والكل يتصور نفسه مختلفاً عن الآخرين وأن لديه عصى سحرية لنجاح مشروعه. وهناك نماذج اجتماعية لحالات متعددة في هذا المجال سأذكر أهمها. 1- الزوج الغائب والزوجة "تحت الحماية": بعد الزواج يغيب الزوج لأسباب تتعلق بالتزاماته المهنية مثل من يعمل بالمؤسسة العسكرية والمهاجر في الديار الأوروبية والذي يعود مرة أو مرتين في السنة في انتظار تأشيرة دخول و إقامة لزوجته. فتبقى العروس رهينة مع "العْكوزَة" وليس بإمكانها حسب العادات أن تنتظر زوجها في بيت أبويها. ولما أطرح السؤال على أم الزوج "وْ عْلاشْ مَتْبْقاشْ العروسة مْعَ وَلِديها حتى يْجي رَجْلها؟" يكون الرد "المرأة خْصّْها تْكونْ فْدارْ راجْلها" ولكن ليس هذا بمنزل زوجها بل منزل والديه! في الواقع هناك سببين يفسران لغز هذا المنطق المتناقض. الأول هو إخضاع الزوجة لرقابة "العكوزة"وضمان عدم خيانتها والثاني هو تحويلها إلى خادمة مجاناً . 2- الزوج الشبح والزوجة "المشتركة": هناك آباء لهم ابن يدمن على شرب الخمور و القمار ويبدد المال ويقضي لياليه في أماكن المجون فيلجأُ والداه لتزويجه "باشْ يْديرْ عْقْلو وْ تْشْدُّو المْرَأة في الدار". ولكي يتجنب "ولد الفشوش" الصراعات مع والديه وينال منهما ما يريده "كَيْدِيرْ لِهُمْ الخاطْرْ" ويترك لهما سلطة اختيار الزوجة وتنظيم الحفل و تدبير نفقاته . ومن الطبيعي أن "ولد الفشوش" يجب أن يبقى في بيت والديه بعد الزواج! وما إن تمضي أسابيع قليلة حتى يعود "ولد الفشوش" إلى حياته المنفلتة تاركاً زوجته لوالديه ويبرر هذا بِ "نْتُما لِجْبْتوهَا" وكأنها بقرة! ولتغطية هذا الفشل تتهم الأم زوجة ابنها بعدم كفاءتها على "مَكَتْعْرْفيشْ كِتْشّْدّي راجْلكْ" وتتحول العروس إلى زوجة تحت الوصاية و إلى خادمة مستعبدة. 3- الزوج المريض والزوجة "الكافلة والمعالجة": يكون الابن مريض نفسانياً مثلاً أو له نقص عقلي أو له إعاقة جنسية ويزوجونه والديه وتقطن العروسة في بيت "لعكوزة" والهدف هو ضمان من سيساعد الابن ويكفله ويتحمل مسؤولية تسيير حياته وخدمته في حالة موتهما. فتتحول العروسة إلى ممثلة في "دور الزوجة" أمام الجمهور لأن لا حياة زوجية ولا جنسية لها وإلى "معالجة وكافلة وخادمة" على حسب الموقف. 4- الزوج "المَمْسوحْ" والزوجة "الفريسة": عادة يكون الزواج مبنياً على حب متبادل ويكون آباء الطرفين راضيين عن هذا المشروع. وبعد الخطوبة تشترط الأم على ابنها أن لا يتركها بعد الزواج ويبقى مع زوجته بالبيت الأبوي وتعده الأم بعدم تدخلها في حياته الزوجية وأنها ستترك لهما كامل الحرية. وبالفعل هذا ما يحصل في الشهور الافتتاحية بعد الزواج. ولكن بشكل مفاجئ تبدأ "العكوزة" في الهجوم على فريستها وتذيقها أحلى عذاب ولأن الزوج "ممسوح" يغلق عينيه عن الأم "القناص" وهي تطيح بفريستها. والسبب هو أن "العكوزة" كانت من قبلُ فريسة لِ"عْكوزْتْها" وبشكل لاوعي تعيد إنتاج ما مضى عليها انتقاماً لها من "عْكوزْتْها" على حساب "الفريسة" التي قدمها لها ابنها. 5- الزوج "مْرْضِي الوالِدينْ" والزوجة "ممرضة دار المسنين": حينما يتقدم الأب في السن وتصبح الأم عاجزة على خدمة المنزل يقرر الابن "مْرْضي الوالدين" الزواج لأن والديه في حاجة إلى المساعدة. في عوض أن يقوم بنفسه بهذه الخدمة النبيلة يختار أن يتزوج من تقوم بها نيابة عنه ويحول زوجته إلى ممرضة وخادمة وجارية وأم ومربية وطباخة و"صبانة" وحْدّادة" و"جْفّافة" و"أسْبِراتورْ" و "طِيابَة دْلْحْمَّامْ دْيالْ العْكوزة" و"صانعة وقت الهوى" لتسلية الزوج ويجب عليها أن "مَعْمّْرْها مَتْشْكي وْ لا تْقولْ آحّْ"! وأتساءل كيف لشخص عاش بنفسه نفس التجارب المؤلمة ورآها في محيطه العائلي و الاجتماعي مراراً ويكرر إنتاج نفس التجربة بدون تعلم وبدون أن يتوقف مليا للمشاورة والتفكير فيما يعتزم القيام به منتهكاً قداسة الزواج ولا يكلف نفسه مجهود تجنب هذه الجريمة البشعة ضد مؤسسة الزواج و لا العواقب الوخيمة للصراعات العائلية الداخلية. فكيف لهذا النوع من الزواج الاستعبادي المدمر لمجتمعنا والظالم لكرامة المرأة أن يكون حلالا في تقاليدنا المغربية؟ وكيف لنا أن نتحدث عن غياب الديمقراطية ولا زالت هذه النوعية من الزواج قائمة في مختلف البيوت المغربية؟ فلابد لنا من حماية مجتمعنا بوضع لجنة من مختصين لدراسة دقيقة وبحث عميق وتحضير ومشاورة لازمة مع العازمين على الزواج ووضع شروط تضمن صيانة الحياة الزوجية من أشكال الاستعباد و التعسف! و بأي حق نسكت عليه و نبرره؟ ولماذا لا نضع مقرراً تكوينياً تربوياً سليماً حول الزواج و الحياة الزوجية و نعممه على جميع الفئات و الشرائح بحيث نتفادى الكثير من هذه الإشكاليات وحالات الطلاق والجرائم التي تنهش الهيكل الاجتماعي لوطننا ؟ * طبيب ومحلل نفساني