يعد البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي تم إعداده وفقا للتوجيهات الملكية السامية، استجابة استباقية لمسألة تدبير المياه، والتي ما انفكت تكتسي أهمية متزايدة خلال السنوات الأخيرة ، ولاسيما بفعل التغيرات المناخية. وبعد ثلاث سنوات من إعداده، خصص لهذا البرنامج، الذي كان موضوع جلسة عمل برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم الثلاثاء 9 ماي الماضي، استثمار إضافي كبير هذه السنة ، رفع ميزانيته الإجمالية إلى 143 مليار درهم، وذلك بهدف تسريع هذا البرنامج وتحديث تناسقه. ويشمل ذلك بالأساس تسريع مشروع ربط الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، وبرمجة سدود جديدة وتحديث تقديرات كلفة حوالي عشرين مشروع سد مبرمج ، بالإضافة إلى تعزيز التزويد بالماء الصالح للشرب بالمناطق القروية وتسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات تحلية مياه البحر وزيادة قدرات إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة. من خلال هذه المشاريع والعديد من الإجراءات الأخرى المرتقبة، يتضح أن البرنامج يهدف إلى تحسين البنية التحتية الوطنية للمياه واستغلال المياه الجوفية، كما أكد ذلك الخبير الاقتصادي المختص في السياسات العمومية عبد الغني يومني الذي اضاف في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن البرنامج يشكل أيضا ابتكارا رئيسيا للحد من الهدر وتقليص الخسائر من المياه العذبة التي تقدر بملايين الأمتار المكعبة التي تلقى في المحيطات أو التي يتم فقدها . وفي الوقت نفسه، ذكر السيد يومني بأن الولوج إلى المياه الصالحة للشرب بلغ في سنة 2018 نسبة 97 في المائة، وهو إنجاز جعل المغرب رائدا على هذا الصعيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي القارة الإفريقية. واوضح أن الفاقد من المياه لا يسجل على مستوى شبكات توزيع مياه الشرب وإنما في قطاع الفلاحة الذي يستهلك أكبر قدر من المياه، بنسبة 70 في المئة من الاستهلاك على المستوى العالمي، و87 في المئة بالمغرب. وعلى مستوى التدبير المائي، اعتبر الخبير أن الإجراءات الرئيسية ليست تقنية أو قانونية فحسب، بل هيكلية كذلك، خاصة وأن سنوات الجفاف شهدت تناوبا استثنائيا منذ 40 عاما، كما يعاني المغرب بشكل متزايد من آثار التغير المناخي مع مواسم فلاحية غير منتظمة، نتيجة عدم انتظام هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. وفي هذا الصدد،أكد السيد يومني ضرورة تعزيز معالجة وإعادة استخدام المياه العادمة، على النحو المنصوص عليه في البرنامج، وذلك في إطار تعبئة المياه غير التقليدية، وكذا التفكير بجدية في إنتاج الكهرباء المنزلية عن طريق الطاقة الشمسية في الوسطين الحضري والقروي. كما أكد أن نقل التكنولوجيات سيمكن المغرب من رفع تحدي تحلية مياه البحر. فبفضل 3500 كيلومترا من السواحل والعدد المرتفع من الأيام المشمسة خلال السنة ،يضيف الخبير، فإن المغرب مؤهل لرفع تحدي تحلية مياه البحر بكلفة معقولة ، لكن الأمر سيتطلب الدخول في مشاريع مشتركة ونقلا للتكنولوجيا. وبالفعل، فقد حفز التوسع الذي عرفته سوق تحلية المياه العديد من الشركات على الاستثمار في تحسين وسائل وطرق التحلية لخفض التكاليف حيث ستكون الكلمة الأخيرة في هذا المجال للتكنولوجيا . تجدر الإشارة إلى أن البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي يرتكز على خمسة محاور رئيسية تتمثل في: تطوير العرض المائي وتدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء وتعزيز التزويد بمياه الشرب في المجال القروي، وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة و التواصل والتحسيس . ومع ارتفاع وتيرة التصنيع ، والأهمية المتزايدة التي أصبح يكتسيها موضوع الأمن الغذائي على الساحة العالمية ، فإن البيئة الطبيعية اصبحت أكثر عرضة للتدهور. وفي هذا السياق التضخمي والمناخي، تعد النجاعة الاقتصادية والبيئية للسياسات العمومية وجهين لعملة واحدة وبالتالي فإن الأمر يتعلق بالرفع من نجاعة استخدام الموارد المائية من طرف المنظومتين الفلاحية والصناعية.