احتضن الفضاء الثقافي والفني رياض سلطان بمدينة طنجة، اليوم الجمعة، أشغال ملتقى ابن بطوطة الدولي الأول للتسامح والتقارب بين الشعوب، الذي تم خلاله تسليط الضوء على دور الرحالة المغربي في نشر القيم الإنسانية النبيلة وإغناء أدب الرحلة. ويأتي هذا الملتقى، الذي تنظمه شركة تهيئة ميناء طنجةالمدينة بشراكة وتعاون مع مؤسسة عبد الهادي التازي، بمناسبة مرور العام الأول عن افتتاح فضاء عرض ذاكرة ابن بطوطة ببرج النعام بالمدينة العتيقة لطنجة، والذي يصادف الذكرى 719 لميلاد الرحالة ابن بطوطة. وأكد المدير العام لشركة تهيئة ميناء طنجةالمدينة، محمد أوعناية، أن اللقاء الهام هو مناسبة لإبراز الجهود التي تم بذلها لادماج ميناء طنجةالمدينة في محيطه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وأهمية المنجزات التي تحققت في طنجة لإظهار أهم معالمها والمحافظة على تراث المنطقة المادي واللامادي، مؤكدا أن مدينة طنجة تعد بوابة المغرب ونموذجا في احترام المغرب للقيم الانسانية، باعتباره بلد التعايش والتسامح والتلاقي بامتياز، وجسرا بين الشمال والجنوب. وأضاف السيد أوعناية أن الحديث عن ابن بطوطة ورحلاته وأدبه يوحي الى تاريخ طنجة الحافل ومواقعها الخالدة التي حافظت على إرث حضاري قلما تجده في مناطق أخرى من العالم، معتبرا أن ميناء طنجةالمدينة ليس منشأة للنقل والسفر والترفيه فقط، بل هو ميناء مدينة ساهمت عبر تاريخها في تقريب الشعوب وتلاقح الحضارات وضمان تعايش الشعوب. وفي السياق ذاته، رأى رئيس النادي الديبلوماسي المغربي، الطيب الشودري، أن ابن بطوطة الرحالة تحلى بالكثير من مميزات الديبلوماسي الناجح وأعطى صورة عن المغرب والمغاربة في العديد من مناطق العالم، مشيرا الى أن ما اجتمع في ابن بطوطة قليلا ما تجده في شخص واحد، فهو الرحالة والأديب والقاضي والفقيه والسفير، ابن بطوطة يعطي صورة عامة عن ما تشكله مدينة طنجة من موقع جغرافي غني بحضارته وماضيه وثقافته وعطاء ساكنته من مختلف الأديان. وأشار إلى أنه ليس من باب الصدفة أن تترجم المؤلفات الخاصة برحلات ابن بطوطة الى 50 لغة عالمية، وتستقطب اهتمام مؤرخين كبار ومهتمين بأدب الرحلة من قبيل المؤرخ الراحل عبد الهادي التازي، الذي أفرد حيزا مهما من اهتماماته لابن بطوطة الرحالة والإنسان والمثقف والدبلوماسي والعالم والمتصوف، مشيرا الى أن ما سرده ابن بطوطة، بكثير من النزاهة العلمية والوصف الدقيق، عن تقاليد وطقوس وطرق عيش ومعتقدات الشعوب التي زارها واستقر بها، مكن البشرية من الاطلاع عليها والوقوف على وجود اختلافات بين الناس يجب احترامها وتقديرها وقبولها. ورأت كلاوديا ماريا طيريسو، أستاذة اللغات والأدب العربي بجامعة تورينو بايطاليا ومؤلفة كتاب "رحلة ابن بطوطة"، في عرض بعنوان "رحلة ابن بطوطة، جسور بين الشعوب من طنجة إلى مكة، في افريقيا والهند والصين"، أن على المغرب أن يفخر برحالة مرجعي في العالم لا يقل شأنه عن الرحالة العالميين المعروفين، بل تفوق على الكثير منهم في الوصف الدقيق للأحداث واطلاع الناس على مراحل تاريخية مهمة عن شعوب وبلدان نائية والتأثير في ممارسات الشعوب التي زار مواطنيها ونقل إليهم حضارة اسلامية ناضجة ومتميزة. وأضافت أن الرحالة المغربي ابن بطوطة تميز أيضا في أدب الرحلة إن لم يكن مؤسسه أو على الأقل من رواده، وقدم أدبا شاملا جامعا يقوم على احترام الآخر في لغته ومعاشه ومعتقداته وطقوسه وتقاليده، معتبرا أن ابن بطوطة لازال، رغم أنه عاش قبل قرون عديدة، يعطي الدروس للإنسانية في التعايش والاحترام والتسامح، وهي القيم الإنسانية التي افتقدتها الكثير من مناطق العالم. وفي السياق ذاته، أكد نجيب الغياتي، ممثل منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، ضيف شرف النسخة الأولى من الملتقى الدولي، أن ابن بطوطة يرمز الى القيم السمحة والأخلاق العالية التي كرسها ودافع عنها الإسلام وجعلها من صميم الممارسة الدينية الحقيقية، مبرزا أن هذه القيم يحتاج إليها العالم الآن لضمان الأمن والأمان والسلم والسلام. واعتبر أن رحلات ابن بطوطة لمختلف مناطق العالم هي نموذج في فن العيش والتعايش وما يجب ان تكون عليها العلاقات الإنسانية والتقارب بين الشعوب والأمم واحترام الاختلاف ومناهضة الغلو و السلوك السلبي في مختلف تمظهراته. وسار عبد الفتاح الزين، أستاذ وباحث في المعهد الجامعي للبحث العلمي، على نفس منوال التحاليل السابقة في عرض حول "المعجم الحضاري لرحلة ابن بطوطة : الحوار الثقافي وتقارب الشعوب والعيش المشترك"، وأكد أن ابن بطوطة أغنى الأدب ومنحه مضمونا وشكلا آخر، كما أغنى اللغة في تفاعلها مع الواقع الإنساني ومع تطور البشرية. وأضاف أن ما يميز ابن بطوطة عن غيره من الرحالة أنه تعمق في كل الجوانب الإنسانية، وما يرتبط بها من طقوس وجغرافيا وعادات ومعتقد وفكر وقضاء، مشددا على أن ابن بطوطة رمز من رموز تاريخ المغرب الغني والمتعدد الروافد والمنفتح. من جهته، قال ياسر التازي، رئيس مؤسسة عبد الهادي التازي، في عرض عام حول "الثقافات في خدمة التقارب بين الشعوب"، إن التطرق الى شخصية وعوالم ابن بطوطة في الملتقى الدولي للتسامح والتقارب بين الشعوب ليس صدفة ولا ترفا فكريا أو علميا، بل له راهنيته في عالم متعدد على كل الأصعدة. وتابع أن الحديث عن الجوانب المختلفة من شخصية الرحالة المغربي ابن بطوطة يمكن أيضا من الحديث عن المغرب الذي له تاريخ عريق مؤثر وغني وجذاب، وعن المغرب الذي شكل النموذح الحقيقي، إقليميا ودوليا، في احترام الآخر وضمان التعايش والتسامح والتلاقح.