منذ ان عانقت القلم أصبحت جل المواقف تستوقفني لا يفوتني شيء اصادفه في طريقي إلى واحتفظت به بين صفحات مذكرتي الصغيرة ذات اللون الوردي.. إلا أنه لم يسبق لي أن تأثرت بموقف كهذا الذي شهدته صبيحة هذا اليوم.. بعد أن احتسيت قهوتي وخرجت متجهة صوب المستشفى لزيارة قريبة لي تمكث هناك منذ عدة أشهر فإذا بتلميذة في الثالثة عشر من عمرها ترتدي أغلى الثياب وأجملها، وقرب مؤسسة تعليمية خاصة من أفخم المؤسسات بمدينتنا، تبكي بحرقة وثلة من البنات تلتف حولها وهي تندب وجهها الصغير تارة وتنتف شعرها الأشقر تارة أخرى حاولت أن أبقى بعيدة لكن شيء ما كان يصرخ بداخلي ويدعوني إلى الإقتراب فما هي إلا دقائق حتى وجدت نفسي منضمة إلى لمتهن الصغيرة. فسحن لي الطريق بكل أدب واحترام فربتت على كتف تلك المسكينة التي كانت تفترش الأرض وملامح الحزن بادية عليها بشكل كبير فسألتها : ما بك يا صغيرتي؟ كلمة صغيرتي هذه جعلتني محط سخرية وسطهن إذ نظرت كل منهن إلى الأخرى وبدأن يتغامزن علي استطردت كلامي غير مكترثة لما يحدث حولي قائلة : عيناك جميلتان فلماذا ترهقيهما بالبكاء؟ رفعت رأسها ورمقتني بنطرة عابرة، ورسمت ابتسامة ماكرة على وجهها ثم وضعت رأسها على ركبتيها مرة أخرى دون أن ترد على سؤالي وبدأت تردد بصوت مرتجف "لا يمكنني العيش بدونه" لن أعيش بدونه، مستحيل" ظننت أنها فقدت والدها او أحد أفراد أسرتها إلا أن إحدى صديقاتها تدخلت لتخبرني بكل جرأة بأن حبيبها قد تركها. احمرت وجنتاي من الخجل وانتابتني صدمة لم أشعر بها من قبل، شعرت بالدم يتجمد في عروقي.. لا أنكر اني قرأت عن هكذا مواقف من داخل مواقع التواصل الاجتماعي و سمعت بذلك من المقربين و الأصدقاء، لكني لأول مرة ألامس الظاهرة عن قرب... انه موقف جعل قلبي ينفطر حزنا كيف لا وقد حلت لعنة رهيبة بطفولتنا، ودعتنا الحشمة، وفقدنا الوقار والإحترام الذي كانا يسود مدارسنا وشوارعنا.. اخذتني هذه الواقعة إلى سنوات قد مضت من عمري إذ كنت في سن هذه الفتاة لا يهمني سوى ان أحصل على معدل عالي كي يثني علي والدي ويفتخر بي في الإجتماعات العائلية. لازلت أتذكر ذاك الإحترام الذي كنت أحظى به من طرف البعض من زملائي في الفصل.. بينما كان يبغضني البعض الآخر خصوصا الفتيات منهن إذ كن يستهزئن بي بدعوة أنني فتاة معقدة أجالس الكتب في أغلب اوقاتي ولا أهتم بمظهري.... سرحت بخيالي لبرهة من الزمن واسترجعت ذكرياتي التي لا زلت للتو افتخر بها وعدت إلى طفلتي الصغيرة لأهون عليها علني أستطيع التخفيف قليلا من مأساتها..فقلت لها: انت صغيرة وجميلة ماذا ينقصك لماذا تربطين حياتك بشخص.. اجعلي من والدك حبيبا وصديقا لست بحاجة لأحد يا جميلتي.. فقاطعتني إحدى صديقاتها وهي تنظر اليها قائلة "وزاايدون يمشي كلب ويجي كلب" ... ما إن سمعت هذه الجملة حتى التفت بسرعة يمينا و يسارا مخافة من أن يسمع أحدا من المارين هذه الكلمات السخيفة التي تتفوه بها هذه الفتاة، بينما كانت هي ترددها غير ءابهة لأحد، يا لها من لعنة حلت بطفولتنا فجردتها من معانيها.... أكثر شيء أحزنني أنهن كن يحدقن إلي بنظرة استهزاء واستغراب كلما اخبرتهن أنهن صغيرات عن هذا... فما لي إلا أن احتضنت خيبتي الصباحية وانصرفت ولسان حالي يقول: طفولتي ما أحلاك طفولتي..