أحيانا يخيل إلي، أن ما يجري من معاول الهدم والفأس الذي يطال بعض معالم هذه المدينة مجرد أضغاث أحلام، ولكن الرؤيا لا تحتاج إلى تأويل، فهي حقا رؤيا حق، لا أضغاث أحلام من فعل إبليس، خصوصا عندما ترى بأم عينيك أن الفأس انغرز في قلب ذاكرة المدينة، حتى تكاد طنجة، غرناطة الصغيرة كما تسمى، أن تردد ماقاله الشاعر الاندلسي عن غرناطة الأم لوركا: لا تغرز الخنجر في قلبي كما يغرز قلب المحراث في الأرض لا لا تغرز الخنجر في قلبي كشعاع الشمس يحرق الأعماق الرهيبة مثل طنجة كثوب شفاف من حرير، كبير به خرق وفتق، وما يجري من رتق للفتق، على ما يبدو بأنامل لخياطين ليسوا مهرة، يطرزون بألوان غير ألوان تناسب الثوب المثقوب، حتى تكاد هذه المدينة تشبه لباس أهل التصوف، يرتقون أسمالهم بما اتفق من " خرقة" مرمية بالطوار هناك أو هناك من منا عندما لا يرى رجلا بمثل هذه الهيئة، لا يثير فضوله ودهشته، اللهم إلا إذا كان إنسانا ميتا كما يقول الكاتب السعودي عبدو خال " الانسان الذي لا يندهش إنسان ميت" هكذا هي طنجة كيف لا تندهش، عندما ترى بعض الشرفات بحومة بني يدر، التي ترمز لطنجة الدولية و للتنوع العرقي والحضاري الذي يميز هذه المدينة عن غيرها أتى عليها الفأس، فطمس هويتها في رمشة العين أو بالأحرى بضربة فأس، دون مراعاة الأشكال الهندسية التي تحيلك على أزمان غابرة، هذه الحومة التي كان يقطنها أعيان المدينة مثل القاضي التمسماني والمفكر النمساوي محمد أسد وغيرهم لا يسمح مقام المقال لعدهم طنجة القلب... طنجة الذاكرة كيف لا تندهش عندما تسمع أن معلمة من معالمها مثل " مدام بورط" ستتحول إلى وكر للأكلات السريعة، بعدما كان الولوج إليها في وقت مضى ولن يعود يقتصر على نخبة أهل المدينة أحيانا يخيل إليك ان مسلسل "الاندهاش" لن ينتهي، فمن دهشة إلى دهشة، إلى أن تموت ذاكرة المدينة لا تندهش إذن إذا تحولت "بلاصاطورو" إلى مقهى " للشيشة" ومسرح "سرفاطيس" إلى كراج لبيعالسيارت، وبهذه المناسبة كل الشكر للروائية الطنجاوية نسيمة الراوي التي أحيت سرفانطيس من خلال روايتها الأخيرة المعنونة "بسرفانطيس" لا يسعنا إلى أن نردد مع لوركا لا تغرز الخنجر في القلب