الساعة 12 بمنطقة ساحة الثيران الجو هادئ لا صوت يعلو على صوت بعض السيارات المارة، الشوارع تخلو من السكان. الكل في منزله وهي عادة ليست من عادات سكان طنجة عشاق السهر. لكن شوارع ما بعد منتصف الليل بها سكان جدد هم صبية ينتشرون بين الجوانب والأماكن المظلمة، يجدون متعتهم في هذا السكون والظلام، لتدخين وتعاطي المخدرات وشرب الخمر وغيره من المواد المضرة بالصحة. ليسوا وحدهم فقط من يجوب هذه الشوارع ليلا، هناك أيضا ما يصطلح عليهم مجرمون، محترفو السرقة والتعرض للمواطنين والاعتداء عليهم بمختلف الوسائل والأشكال، هي جرائم تُصنف ضمن الجرائم العادية وليست كغيرها من الملفات الكبرى "الإرهاب، المخدرات ..." التي تلقى اهتمام السلطات العليا، بل تلقى التهاني والإعجاب الخارجي للخطط الأمنية المتبعة. غير أن ما يجهله المسؤولون، كون هذه الجرائم العادية أضحت تشكل هاجسا من هواجس سكان مدينة طنجة، وهي مؤشر أساسي على فقدان الأمن وتراجع "الهيبة المطلوبة" لرجال الأمن المنوط بهم حماية المواطن بالدرجة الأولى.
دليل أخر على تراجع هيبة رجال الأمن هي أن الجرائم لا تُقترف فقط تحت غطاء الليل بل أصبحت تتزايد بشكل مثير ومخيف في "عز النهار". أحاديث ساكنة المدينة عادة ما تتناقل هذه الجرائم في جلساتهم "امرأة تعرض لها أحدهم وسلبها كل ما تملك. أو تلميذ وهو في طريقه للمدرسة تم تهديده لأتفه الأسباب مقابل درهم مثلا لشراء السيجارة ".
هذه الجرائم ما لبتت تتزايد وتغدو يوما بعد يوم أخطر وأكثر بشاعة. ولعل سنة 2009 وبداية 2010 خير شاهد على هذه الأحداث التي هزت الشارع الطنجي بجرائم لم يكن يتصور وقوعها بمدينة كطنجة. الجرائم العادية زادت جرعتها خلال الأشهر الأخيرة لتقترن بالقتل مؤخرا، وأشهر هذه الجرائم جريمة حي برانص1 التي شغلت الوسط الطنجي لمدة طويلة وذلك لغموضها حيث قيل فيها الكثير عن الانتقام والمخدرات والمافيا.. بمنطقة أخرى شاب يتعرض لطعن لدفاعه عن بنت كانت تتعرض للاعتداء من طرف أحد "الفتوات". في حين نجد شابا أخر أشبع أمه طعنا وهو تحت تأثير المخدرات، وغيرها الكثير من جنح سرقة ونهب وتعرض سبيل المارة فهي كما يقول المصريون "على قفا مين يشيل". وهو الشيء الذي ينذر بعودة قانون الغاب "القوي يأكل الضعيف" بشكل غير مستبعد وفي ظل عدم تحمل البعض لمسؤولياتهم كما يجب. إذ أصبح من شيم الرجال أن تكون مجرما يهابك الكل، هذا حال كثير من شباب المدينة هذه الأيام. الشباب يتفاخرون أمام الجميع وبشكل غريب أنهم يخرقون القانون، وكيف يضرب فلان ويحطم أسنان علان، غير مبالين برجال الأمن الذين أصاب بعضهم التراخي في أداء مهامهم بشكل فاضح.
ارتفاع الجريمة ينسبه الكثيرون إلى انتشار البطالة وتردي الوضع الاقتصادي، وكذلك لغياب دور الآباء والأمهات في التربية لارتفاع نسب الأمية بالعائلات الطنجية والمغربية بشكل عام. الشيء الذي يؤدي ب "شباب المستقبل" إلى الارتماء في أحضان المخدرات التي تدمر الإنسان وتحوله لكائن آخر قادر على ارتكاب أفعال لا يقبلها العقل البشري المتزن. وسائل الإعلام أيضا ساهمت وبشكل واضح في هذه الجرائم، إذ أعطتها حيزا زمنيا ومساحات كبيرة تحكي فيها عن الجرائم بشكل مفصل، الشيء الذي منح لمن يميلون إلى الفعل الإجرامي، وجراء الفراغ القاتل، فرصة الاستفادة لارتكاب أفعال غير مقبولة خصوصا وأن بعض رجال الأمن لا يقومون بواجبهم كما هو منتظر منهم ويتلقون رواتبهم على هذا الأساس. إذ تشيع بين المواطنين نظرة حول الشرطة التي لا تتجه لأماكن الجريمة إلا بعد سماع أن "الدم سال" كما يؤكد الكثيرون. وبكونهم أيضا أوفياء للمشهد السينمائي العالمي حيث الشرطة هي آخر من يصل.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع طنجة، أصدرت في الفترة السابقة بيانا موجها لوالي الأمن بطنجة حصلت وسائل الإعلام على نسخ منه تحدثت فيها عن تنامي ظاهرة الجريمة بكل أشكالها، اعتراض سبيل المارة وسلب ممتلكاتهم وانتشار المخدرات القوية في جميع أحياء المدينة خاصة بن دياب وبني مكادة. وقد طالبت الجمعية إلى ضرورة توفير الأمن والطمأنينة والعمل على توفير الحياة الكريمة للمواطن والمواطنات، مشيرة إلى أهمية محاربة الجريمة لكن ليس بترهيب المواطنين. الجدير بالذكر أن الدولة المغربية قدمت عدة مشاريع وخطط أمنية لمحاربة الجريمة لكنها عادة ما كانت ننتهي بالفشل، لكونها لا تقوم على دراسات واقعية وعلمية ذات إطلاع بالوضعية الاجتماعية والتقليدية بالمغرب، إذ يشير البعض إلى أن السياسة المعتمدة لمحاربة الجريمة في الوقت الحالي هي نفسها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. حتى الدورات التدريبية لرجال الأمن لا تتم إلا نادرا، لإطلاعهم على المستجدات وطريقة التعامل الحديث مع المواطن. رجال الأمن أنفسهم يتذمرون من وضعياتهم فهل ستتحسن بعد القانون الجديد، إلى جانب شكاوى المواطنين التي لا تنتهي وهذا من حقهم، إن علمنا أن المغرب دولة تتباهى أمام الجميع بالأمن والأمان.