"نريد أن نعيش مثل الناس" بهذه العبارات أطلق قاصر مغربي صرخة من البحر، وهو يغالب دموعه والموج لبلوغ مدينة سبتة الواقعة تحت الإدارة الإسبانية شمالي المغرب. مشهد لقاصر مغربي تداوله المغاربة على نطاق واسع خلال الأسبوع الماضي، بمنصات التواصل الاجتماعي، إثر الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد. القاصر المغربي كان واحدا ضمن مئات القاصرين الذين تمكنوا بمعية مهاجرين آخرين من النساء والرجال، في 17 مايو/ أيار الجاري، من اقتحام السياجات الحدودية ودخول سبتة. أكثر المشاهد التي علقت في أذهان المتابعين، كانت بلا شك تلك الخاصة بالقاصرين غير المرفقين، المصطفين في طوابير طويلة ينتظرون معرفة مصيرهم، بعد عملية الاقتحام غير المسبوقة. ملف حارق على الدوام شكل القاصرون، في إسبانيا عموما، وفي سبتة ومليلية المحتلتين؛ ملفا حارقا ومصدرا للتجاذبات السياسية في المدينتين ذاتيتي الحكم. منذ عقود والقاصرون المغاربة ينفذون عبر الحواجز الأمنية نحو سبتة ومليلية، لكن كان يتم ذلك بشكل فردي، وفي أحسن الأحوال في مجموعات صغيرة جدا. و قدر محمد بن عيسى، رئيس "مرصد الشمال لحقوق الإنسان"، عدد القاصرين المغاربة غير المرفقين في إسبانيا بنحو 20 ألفا. وأضاف عيسى أنه من أصل نحو 8000 مهاجر تمكنوا من دخول سبتة خلال الأيام الماضية، كان ضمنهم 1600 قاصر، أعادت إسبانيا حتى الآن إلى المغرب نحو 800 منهم، أغلبهم أعيدوا بشكل قسري. ترحيل القاصرين وتناقلت وسائل إعلام إسبانية ودولية على مدى الأيام الماضية، مشاهد وصور لعشرات المهاجرين ضمنهم قاصرون، والسلطات الإسبانية تجبرهم على العودة من حيث قدموا. وحسب بن عيسى، تتم بشكل عام عمليات ترحيل المهاجرين الواصلين إلى إسبانيا أو المناطق الواقعة تحت إدارتها، وفق اتفاقية إعادة القبول الموقعة بين الرباط ومدريد عام 1992، لكن هذه الاتفاقية لم تفعل بالشكل المطلوب. بدوره، أفاد حميد بلغيت، أستاذ القانون الدولي في جامعة "محمد الخامس" بالعاصمة الرباط، بأن المغرب وقع أكثر من اتفاقية لإعادة القبول مع العديد من دول الاتحاد الأوربي، بما فيها إسبانيا. وأضاف بلغيت: "نظرا لخصوصية فئة القاصرين، انخرط المغرب وإسبانيا في اتفاقية خاصة أخرى عام 2003، تخص إعادة قبول القاصرين، دخلت حيز التنفيذ في 2004". وأوضح أن إعادة القبول وفق هذه الاتفاقية، يستلزم عدة شروط محصورة في اتفاق بروتوكول تنفيذي للاتفاقية وقع بين الطرفين عام 2007. وأفاد بأن ذلك "لتدبير هذه الإشكالية ليس من الزاوية القانونية ولكن أيضا للعمل على تنزيل سياسة مواكبة للمهاجرين قصد الإدماج بعد الإعادة". وأردف: "إسبانيا حسب أرقام ومعطيات المنظمات غير الحكومية، في طليعة دول الاتحاد الأوروبي الأكثر إعادة للمهاجرين بما فيهم القاصرين بشكل قسري، حيث بلغت نسبة الإعادة القسرية في 2018، أكثر من 64 بالمئة". وتابع: "اتفاقيات إعادة القبول كانت دائما محط ملاحظات من جانب المنظمة العالمية للهجرة، لإخلالها بالتزامات حقوق الإنسان خاصة ما يتعلق بالقاصرين". وذكر أن المنظمة "ربطت شرعية إعادة قبول أو ترحيل القاصرين بمبدأ المصلحة الفضلى للطفل، وهو ما يعني أن قرار الترحيل يكون مقبولا إذا كانت مصلحته العليا تقتضي ذلك، وتبين هذه المصلحة في قرارات معللة". واستطرد: "قرارات الترحيل يجب أن تكون فردية، فيما تندرج الإعادة الجماعية كما حصل خلال الأحداث الأخيرة ضمن الإعادة القسرية وهي ممارسة مرفوضة على مستوى القانون الدولي لحقوق الإنسان". وزاد: "كما أن الترحيل الجماعي القسري والفوري للقاصرين، يؤكد انتهاك السلطات الإسبانية، لحقوق هؤلاء القاصرين عبر الطعن في عملية الترحيل، هذه العملية التي يجب أن تكون بشكل فردي وبموجب قرارات إدارية أو قضائية حسب الحالة". الاعتداء على القاصرين اضطرت سلطات سبتة، لنقل المئات من القاصرين الذين كانت تحتفظ بهم في مراكز الإيواء، إلى مناطق ومراكز مختلفة في إسبانيا، لإفساح المجال أمام القاصرين الواصلين حديثا للمدينة. وأكد بن عيسى، أن الصورة داخل مراكز الإيواء في سبتة وغيرها من مدن إسبانيا، ليست وردية كما يسعى أحيانا بعض القاصرين تصويرها، وتكون تلك المشاهد المعبر عنها حافزا للآخرين للهجرة. مستدركا : "تحدث الكثير من الانتهاكات والأحداث المؤلمة خلف أسوار هذه المراكز".