تصدق على المدمنين عليها مقولة "ومن الحب ما قتل", وتعرف العلاقة بينها وبين الساقطين أسرى دخانها فترات مد وجزر, تحترق هي لا ليعيش المدمن عليها بل ليموت هو وتبقى هي, يحاربها الجميع إلا أنها تأبى إلا أن تقتل بالملايين كل من لم يكتسب مناعة ضد إغرائها المسموم .. إنها ليست سوى "السيجارة" التي يمثل شهر رمضان لمن ما زال أسيرا لها الفرصة السانحة ليتحرر ويعانق العافية والصحة. وتختلف قصص المدخن مع "السيجارة" إلا أن مشاهد السيناريو تبقى واحدة ...يشتد الشوق بينهما كلما اقترب موعد الإفطار في هذا الشهر الفضيل, ترى المدخن يتقلب وينتظر بفارغ الصبر رفع آذان المغرب ليهرول إليها غير عابئ بتنبيهات المنبهين ولا تحذيرات الأحبة والأهل فتلازم "السيجارة" شفتاه حتى الفجر. ولا تكتفي السيجارة بسرقة صحة المدمنين عليها بل تسرق أيضا جيوبهم, ينفق عليها الغالي والنفيس فتدخل ضمن خانة المستلزمات التي لا محيذ عنها, إلا أن شهر رمضان الكريم يبقى فرصة العمر لإبعاد الكثيرين عن هذه "السيجارة" وكبح جماح المدخن وحثه على التوقف عن شرب سمها الذي يسري في العروق وقد تجعله عرضة لنوبات عصبية لا مبرر لها وتدفعه إلى القيام بتصرفات غير لائقة وغير مسؤولة في شهر الغفران والتسامح. وتؤدي السيجارة والتدخين بصفة عامة بحياة أكثر من خمسة ملايين نسمة عبر العالم كل عام, حسب منظمة الصحة العالمية, وتتسبب في عشر وفيات البالغين, كما أنها تعد من ضمن أهم خمسة عوامل مؤدية إلى الوفاة. وحسب تقارير المنظمة العالمية أيضا سيؤدي التبغ, إذا ما استمرت أنماط التدخين على حالها, إلى وفاة 10 ملايين نسمة عبر العالم سنويا بحلول عام 2020. كما أن الأخطر هو أن نصف من يدخنون الآن أي نحو 650 مليون نسمة عبر العالم سيقضون نحبهم من جراء التبغ في نهاية المطاف. وفي المغرب يلتزم بعض مدمني التدخين مع إطلالة كل رمضان ببرنامج خاص سعيا للقطع مع هذه العادة السيئة. وتبقى الإرادة والعزيمة الأساس للتخلص من السيجارة ومقاومة إغراءاتها, والانخراط بصدق في حملات الإقلاع عن تدخينها خاصة وأن المغرب قد وضع منذ سنين مبادرة للتحرر من التبغ انطلقت مع صدور قانون منع التدخين في الأماكن العمومية وحذر الدعاية والإشهار للتبغ, ثم انخراط فعاليات المجتمع المدني في هذا العمل الجبار. وإذا ما تم التسريع بتفعيل قانون محاربة التدخين في الأماكن العمومية وتطبيق مقتضياته بكل صرامة, فإن المغرب سيكون قد قطع خطوة جبارة في سبيل القضاء على هذه الآفة المجتمعية.