تحفيظ القرآن عبر الألواح الخشبية طريقة يعتمدها المغاربة في حفظ القرآن الكريم، والتي تلقى رواجًا في رمضان؛ حيث تنشط حلقات التحفيظ في هذا الشهر المبارك. وتبدأ طريقة التحفيظ عبر الألواح بسماع الطالب آيات من القرآن من قبل المُحَفِظ، الذي يحمل لقب "الشيخ" أو "الفقيه"، ثم كتابته على اللوح وحفظه، مروراً على استظهاره (تلاوته دون كتاب) أمام الشيخ، ثم محوه وكتابة آيات أخرى، وهكذا دواليك حتى ينتهي الطالب من حفظ المصحف كاملاً. في "مدرسة التوحيد لتحفيظ القرآن الكريم" يجلس أطفال وشباب حول الشيخ "محمد ابن الشريف السحابي"، يستظهر أحدهم بعض الآيات بصوت ملائكي، وكأنه إمام متمرس، وبجانبه آخرون يسمعون ويراقبون هذا المشهد الروحاني. يجلس الشيخ الذي يتمتع بهيبة واحترام بين طلابه، أمامه شاب في مقتبل العمر يحفظ القرآن، يوقفه أحيانا ويصحح له التجويد، ويستمر الشاب في تلاوة تخشع لها القلوب. يقول "السحابي" للأناضول: "الطريقة المغربية لحفظ القرآن تعتمد على اللوح، ومنذ أن يدخل التلميذ إلى الكُتاب أو المسجد، يتعلم أولا القراءة والكتابة، ثم يجلس في حلقات التحفيظ، فيقوم الشيخ بإملاء بعض الآيات لكتابتها، ومن ثم يقوم التلاميذ بقراءتها على معلمهم الذي يقوم بتصحيح الأخطاء، ثم تبدأ عملية الحفظ". يصمت الشيخ لحظة، حيث يقوم بإلقاء نظرة على الطلبة، ويضيف: "إذا أتمّ التلميذ حفظ الجزء الأول، يطلب منه الفقيه كتابة الجزء الثاني حتى يختم الكتاب، حيث هناك اختلاف بين الطلبة في زمن ختم القرآن". ويتابع: "بعدما يحفظ التلميذ القرآن كاملاً، والتي تسمى الختمة الأولى، يستأنف الختمة الثانية والثالثة حتى تكون له القدرة على كتابة أجزاء القرآن على اللوح بدون أخطاء؛ إذ تحتفل أسرته به عبر تنظيم حفل سواء بشكل فردي أو جماعي، ويلبس الأطفال والبنات لباس الأعراس، ويمرون في موكب في عربات مجرورة، وتُلقى عليهم الأزهار". حول الشيخ يتجمع شباب تتفاوت أعمارهم، منهم من يكتب على اللوح، ومنهم من يحفظ الآيات المكتوبة عليه، في حين يصعد آخرون إلى الطابق الآخر ليمحوا الألواح، وكلهم فرحاً بعدما حفظوا الجزء المخصص لهم. مجالس من نور يرتل فيه القران آناء الليل وأطراف النهار. "عبد العزيز اعلال"، وهو الحارس العام للمدرسة (أي مديرها) يُبين أن الكتابة على الألواح تسهل مأمورية حفظ الآيات. ويضيف في حديثه مع الأناضول شارحاً بعض تفاصيل طريقة الحفظ عبر الألواح، أن "التحفيظ بالألواح يمر عبر مراحل؛ فبعد استظهار الطالب للجزء المحدد في الحفظ على الفقيه، يأذن له بمسح ذلك الجزء وكتابة جزء آخر". ويوضح: "يشرع الطالب في محو ذلك الجزء الذي أتم حفظه بالماء والصلصال؛ وذلك من أجل تبييض اللوح حتى تكون صالحة للكتابة من جديد، وبعد أن يجف اللوح بعد عرضها على الشمس، يشرع الطالب في كتابة الجزء الموالي الذي يطلب منه الشيخ حفظه". ويستطرد: "إن كان الطالب حافظاً يكتب بنفسه، وإن كان غير ذلك يذهب إلى الفقيه ويملي عليه الجزء الموالي، وبعد أن يُتم الكتابة يعرض ما كتب على الفقيه كي يصحح له الرسم، ويضع عليه الوقف (حركات تحدد متى يجب على القارئ أن يتوقف أو يتابع القراءة دون توقف)، ثم يقرأ الطالب اللوح على الشيخ، وبعد أن يصحح له التلاوة والقراءة يقوم الطالب بحفظ ذلك الجزء طيلة اليوم". ويشير إلى أن الطالب "خلال اليوم (الدراسي) يراجع ما كان يحفظه من أول القرآن وإلى غاية آخر جزء حفظه". وبخصوص برنامج المدرسة، يلفت "اعلال" إلى وجود تلاميذ وطلاب يقرؤون بشكل يومي، وفق برنامج محدد، وآخرون يحفظون القرآن خلال نهاية الأسبوع أو خلال العطل. حفظ على الألواح، حلقات لتلاوة القرآن، فقهاء يسهرون على تصحيح طريقة التجويد، مشاهد من دار لتحفيظ القرآن لا تزال تحافظ على طريقة مغربية ساهمت في تخريج قراء كبار. أطفال في عمر الزهور يحفظون القرآن، قصص مختلفة تحكي مسيرة الارتقاء، ولكن في نفس الوقت تتوحد على المجهود والمثابرة والاجتهاد والقراءة على الألواح. * وكالة أنباء الاناضول