فندق "سيسيل" هو من بين أول الفنادق التي تم انشائها في طنجة بعد فندق "كونتنينتال"، ويعود بنائه إلى السنوات العشر الاخيرة من القرن التاسع عشر، وهو أول فندق يبنى خارج أسوار طنجة بمحاذاة الشاطئ. هذا الفندق تم افتتاحه في بداية الامر تحت اسم فندق "نيويورك"، لكن مالكوه غيروا اسمه إلى "سيسيل" بعد عمليات توسيع الفندق مع مطلع القرن العشرين، نسبة لفندق "غراند سيسيل" بلندن الذي كان قد نال شهرة كبيرة في أوروبا حينها، بكونه اكبر فندق في القارة العجوز. فندق "سيسيل" تميز منذ البداية برونقه وهندسته المعمارية الاوروبية الجميلة المطلة على شاطئ طنجة، ويبدو أن مالكيه منحوا لمظهره الخارجي اهتماما وعناية بقدر ما منحوهما لشكله الداخلي، على عكس أغلب الفنادق التي بنيت في طنجة خلال فترة "سيسيل" وبعده. شهد هذا الفندق الباذخ عصرا من "الفخامة" بامتياز، إذ نزلت به العديد من الشخصيات البارزة، منهم كتاب ورسامون وفنانون من مختلف الجنسيات، حتى الملك محمد الخامس في زيارته لطنجة سنة 1947 لم يجد أفضل منه للمكوث به والاستمتاع بمنظر شاطئ طنجة من شرفته المميزة. لكن هذا الفندق، شهد عصرا أخر من الانحطاط بدأ بعد انقضاء فترة العهد الدولي لطنجة، ليدخل بالتدريج في مرحلة اهمال تواصلت مع مرور الايام وتكرار عوامل التعرية إلى أن أصبح مكانا مهجورا يكثر فيه المشردون وأكوام القمامة. فندق "سيسيل" اليوم لم يبقى منه سوى الأطلال، أطلال لازالت صامدة تحكي عن نوستالجيا زمن جميل كان في طنجة وانقضى. ورغم أنه كان بإمكانه أن يصبح أحد المعالم التاريخية الجاذبة للسياحة بالمدينة، إلا أن مسؤولو المدينة أرادوا له شيئا أخر. بالنسبة لمالكي الفندق، فإن البحث الذي قمنا به على الانترنيت، قادنا إلى شخصين يُحتمل أن أحدهما هو مالك الفندق في الأصل، الاول هو ثري يهودي ولد بألمانيا يدعى ألبرت ميتزغر، وتجنس بالجنسية البريطانية، وهو الذي كان يملك فندق "سيسيل" في الاسكندرية بمصر. والشخص الثاني هو جابز سبينسر بيلفور العضو البرلماني ورجل الاعمال الانجليزي الذي ملك فندق "غراند سيسيل" بلندن، وهو الفندق الذي بني في فترة بناء فندق "سيسيل" طنجة وكان عند افتتاحه في سنة 1896 أكبر فندق في أوروبا كلها. أما اسم "سيسيل" الذي حمله فندق طنجة، فيعود في الاصل إلى شهرة فندق لندن، إذ أن شهرته جعلت العديد من الفنادق الاخرى عبر العالم تحمل الاسم ذاته، حتى فندق "سيسيل" بالاسكندرية الذي ثبتت ملكيته لألبرت ميتزغر يعود اسمه نسبة لفندق لندن. والإسم "سيسيل" يعود إلى أسرة سايلسبوري الانجليزية التي ملكت الارض التي بني عليها فندق لندن، إذ أن أفراد هذه الاسرة برزوا في السياسية الانجليزية مع بداية القرن السابع عشر، ومنهم "ويليام سيسيل" و"روبرت سيسيل". وعلى كل حال، فإن فندق "سيسيل" بطنجة يعد في حد ذاته تاريخ فريد بالمدينة، تاريخ يبدو أنه يسير ليصبح لقمة يفترسها وحوش العقار كما افترسوا مباني كثيرة أخرى، في مدينة تسير بسرعة لتصبح عاصمة النوستالجيا بامتياز.