يبدو أن توقف كافة مناحي الحياة في القدسالمحتلة منذ نحو شهر بسبب تفشي فيروس كورونا، لم يمنع سلطات الاحتلال من استغلال هذه الأجواء لتغيير الواقع بمحيط المسجد الأقصى، مستغلة شح حركة المارة وانعدام دخول وخروج المصلين للمسجد منذ إغلاقه أمامهم يوم 23 مارس/آذار الماضي. ولإحكام قبضته على المداخل الرئيسية للبلدة القديمة للقدس، وتهيئة بنية تحتية تساعد على ذلك لمنع تكرار هبّة بالحجم والقوة الجماهيرية ذاتهما لهبّة البوابات الإلكترونية صيف 2017، نصبت قوات الاحتلال في الأيام القليلة الماضية حواجز معدنية متحركة وإشارة مرور ثُبتت أعلاها كاميرا مراقبة وسط طريق المجاهدين الواقع شمال المسجد الأقصى المبارك والمؤدي إلى طريق الواد، الذي تتفرع منه كل المداخل الغربية للمسجد الأقصى. وتمنع الإشارة دخول المركبات باتجاه طريق الواد إلا بتصريح مسبق يعطى لأهل المنطقة. انتقال العمل في محيط باب الأسباط سبقه العمل في باب العامود لمدة طويلة، إذ بنت قوات الاحتلال غرف مراقبة إسمنتية مرتفعة في محيطه لتشكل نقاطا آمنة لتمركز الشرطة، ووضعت مقابض حديدية في الساحة بشكل يقسمها ويحدّ من حركة الجماهير فيها في حال التظاهر، إضافة إلى شبكة كاميرات مراقبة ذكية ترصد التحركات في تلك المنطقة بدقة. وفي تعقيبه على الخطوة الجديدة، قال الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص إن سلطات الاحتلال تنتقل اليوم إلى باب الأسباط، الباب الأهم والأكثر حيوية للبلدة القديمة، وهو الباب الذي يفد منه معظم المصلين القادمين إلى الأقصى من خارج المدينة، ويفضله سكان أحياء القدس الجنوبية للوصول إلى المسجد باعتبار باب المغاربة يوصل إلى ساحة البراق المخصصة لصلاة اليهود ومحيطها المليء بالنقاط الأمنية. عشرات المصلين المعتصمين بمنطقة باب الأسباط خلال هبة البوابات الإلكترونية عام 2017 (الجزيرة-أرشيف) الاحتلال ركّب العديد من الكاميرات في منطقة باب العامود (الجزيرة-أرشيف) إسقاط نقطة التجمع الجماهيري وتابع “هذه الأسباب رشحت باب الأسباط ليكون نقطة التجمع الجماهيري المركزية عام 2017 والآن يستفيد الاحتلال من خلو هذا الباب المكتظ بالعادة بسبب إجراءات الحجر الصحي المنزلي والتباعد الاجتماعي”. وأشار ابحيص إلى أن الاحتلال يغطي نفسه بعنوان خدماتي، ويروج إلى أنه بخطوته الأخيرة يحل مشكلة الاختناق المروري في المساحة المحدودة، لكنها في الواقع تشكل نقطة بداية لتغييرات متتالية تنتهي في المحصلة إلى إحكام القبضة على باب الأسباط وجعل التجمع الجماهيري عنده مهمة أصعب، وتجربة التغييرات الصغيرة المتتالية ماثلة أمام الجميع في باب العامود وهي لا تزال مستمرة. ويرى أنه إذا كانت سلطات الاحتلال اختارت البدء من النقطة الأسهل والأقل استفزازا، فهذا يتطلب إبقاء كل تغيير في محيط باب الأسباط تحت مجهر المراقبة والاهتمام، خاصة في فترة الحجر التي تخلو فيها الشوارع من حركتها المكتظة الدائمة. وتابع ابحيص “باب الأسباط كان منذ ثلاث سنوات عنوان مواجهة انكسرت فيها إرادة المحتل، فهل يمكن أن ينظر إليه اليوم مجردا من هذا الاعتبار؟”. إجراءات خارج الأقصى وداخله التغييرات الحالية في محيط باب الأسباط تتزامن مع إجراءات مستمرة في الأقصى من الشرطة الإسرائيلية التي استغلت أزمة انتشار الفيروس المستجد. فخلال الفترة اللاحقة لإغلاق المسجد منعا لتحوله إلى بؤرة لتفشي الوباء، حافظت الشرطة على عدد عناصرها الكثيف داخل الأقصى رغم توقف تدفق المصلين، وحاولت التضييق على موظفي الأوقاف الذين يؤدون الصلاة متباعدين في المصلى القبلي أو في ساحته الخارجية بمخالفتهم بمبلغ 500 شيكل (140 دولارا أميركيا) لكل منهم بزعم أنهم شكلوا تجمعا لأكثر من 10 أشخاص، رغم أن صورا كثيرة نشرت لعشرات عناصر الشرطة وهم متجمعين أمام المصلى القبلي وهو فارغ. كما عززت شرطة الاحتلال وجودها في الباحات ومقر مخفر الشرطة في صحن قبة الصخرة المعروف باسم الخلوة الجنبلاطية، وحاولت انتزاع صلاحية فتح وإغلاق أبواب المسجد من دائرة الأوقاف، وفرض تحكمها عليها بعد إغلاق المصليات المسقوفة منتصف الشهر المنصرم، لكن حراس المسجد الأقصى تجمهروا حينها مطالبين بفتح جميع الأبواب، فتراجع الاحتلال خوفا من التكتل الجماهيري حول الحراس. بعد إغلاق المسجد كاملا، عادت قوات الاحتلال لتغلق جميع الأبواب باستثناء ثلاثة منها، لكن الاحتشاد هذه المرة لوقف ذلك لم يكن ممكنا، وقد يمهد ذلك -حسب مراقبين- لمعركة على الأبواب إذا ما حاولت سلطات الاحتلال إبقاء بعضها مغلقا مع نهاية الجائحة. شرطة الاحتلال تحافظ أيضا على وجود مستمر في محيط باب الرحمة في الأقصى، رغم خلو المسجد من المصلين واقتصار الدخول إليه على الحراس والسدنة وموظفي الأوقاف.