تحديد ثلاثة أيام في الأسبوع لخروج النساء فقط ومثلها للرجال، هي آخر بنات أفكار الحكومة البنمية في سبيل وقف تفشي وباء كورونا بالبلاد، ووضع حد لعبث بعض المواطنين وتحايل البعض الآخر ممن يصرون على اصطحاب زوجاتهم أو بناتهم أو صديقاتهم لمراكز ومحلات التبضع، وبالتالي معاكسة هدف التباعد الاجتماعي وواجب المكوث بالمنازل إلى حين انفراج الأزمة. فشأنها شأن باقي بلدان المعمور، اجتهدت بنما في بسط تدابير لاحتواء فيروس لا يبقي ولا يذر، عجزت أمامه أقوى الأنظمة الصحية في العالم، فكان أن قررت تعليق الدراسة وجميع الرحلات الدولية من وإلى البلاد وفرض حظر جزئي وبعده حظرا شاملا إلزاميا رخصت خلاله للجميع بالخروج لساعتين فقط طيلة أيام الأسبوع.. عند الضرورة القصوى. لكن، وبعد إصرار البعض على خرق هذا الحظر عنوة أو التحايل لخرقه، تفتقت عبقرية المسؤولين البنميين عن قرار يعتقدون أنه سيسعفهم في إعطاء حظر التجول فاعليته المنشودة وبالتالي كبح الارتفاع المطرد في الإصابات المؤكدة بالفيروس، والتي قارب عددها الألفي حالة إلى حدود أمس الأحد (1.988)، والوفيات التي بلغت 54، وهي أرقام مرتفعة في بلد لا يتجاوز تعداد ساكنته الأربعة ملايين ونصف المليون نسمة. وبموجب هذا القرار، الذي دخل حيز السريان الأربعاء ويستمر لخمسة عشر يوما، يسمح للنساء بالخروج لساعتين فقط أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، مع السماح للرجال بذلك أيام الثلاثاء والخميس والسبت، أما يوم الأحد فيمنع فيه الخروج على الجميع. وأوضحت وزارة الصحة البنمية أن الإجراء يهدف إلى تقليل الحركة في الشوارع بمقدار النصف، بالنظر إلى العدد الكبير من الأشخاص الذين يتجاهلون قيود الحجر المنزلي. وبعد دخول هذا الأجراء حيز السريان، باتت الطوابير الطويلة من النساء، في أيامهن، والرجال، في أيامهم، مشهدا عاديا أمام المراكز التجارية، حيث يتم فحص درجة حرارتهم قبل السماح لهم بالدخول للتبضع. ورغم أن المشهد بات عاديا، فإن الظرف الذي فرضه غير عادي، ولذلك يحرص الكثير من الملتحقين بهذه الطوابير على تأريخ اللحظة من خلال التقاط صور سيلفي وتقاسمها فورا مع الأهل والأصدقاء واستتباع ذلك باتصالات للتعليق على المشهد، رغم نظرات التوجس من “ثرثرتهم” وكثرة حركتهم، التي يثيرونها لدى البعض ممن يؤثرون الصوم عن الكلام والحرص على مسافة الأمان في هذه الصفوف التي قد يصطف فيها أزيد من مائتي شخص ويستمر الانتظار فيها لأكثر من ساعة. ولم تكتف السلطات البنمية بتحديد هذه الأيام للخروج بالنسبة للجنسين، بل حصرت الخروج في ساعتين فقط خلال الأيام المسموح بها، تتوزع حسب الرقم الأخير من بطاقة التعريف الوطنية بالنسبة للبنميين، ومن جواز السفر بالنسبة للأجانب. ويبدو أن فكرة تحديد أيام للنساء وأخرى للرجال ألهمت بلدان أخرى في المنطقة في سعيها لتقييد الحركة ومحاصرة تفشي الوباء، بينها البيرو، التي اتخذت نفس الإجراء ثلاثة أيام فقط بعد اعتماده في بنما. وينضاف هذا القرار إلى إجراء مشدد آخر كانت الحكومة البنمية اتخذته قبل أسبوعين، ويتمثل في فرض غرامة بقيمة 50 ألف دولار في حق المصابين المخالفين للحجر الصحي، ترتفع إلى 100 ألف دولار في حالة العود، وهي خطوة جاءت في أعقاب ضبط البعض من هؤلاء وهم يتسوقون في مراكز تجارية، ما دفع الحكومة إلى إصدار مرسوم ينص على عزل جميع المصابين في أماكن محددة، بينها المستشفيات والفنادق، وإبقائهم تحت المراقبة الطبية. ولتقييد حركة التنقل أيضا، رخصت السلطات البنمية لسيارات الأجرة بالعمل ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، من خلال السماح لتلك التي تنتهي لوحات ترقيمها بعدد زوجي بالاشتغال أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، وبعدد فردي أيام الثلاثاء والخميس والسبت. هي إجراءات استثنائية لحماية البنميين في زمن كورونا. فمنهم من تقبلها عن وعي ومنهم من فعل ذلك على مضض. لكن، ما هو سقف تفشي الوباء ومعه سقف هذه الإجراءات؟ سؤال الرجال والنساء في بنما.