جدل واسع وانتقادات شديدة يشهدها المغرب، منذ أن صادقت لجنة برلمانية، في 16 يوليوز الجاري، على مشروع قانون لإصلاح التعليم يسمح باستخدام اللغة الفرنسية في تدريس بعض المواد. تلك المصادقة يعتبر منتقدون أنها تستهدف فرض الفرنسية، لغة المحتل السابق للمغرب (1912-1956)، بينما كان ينتظر كثيرون مزيدا من الإجراءات لتمكين العربية. بالأغلبية، وافقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، على مشروع قانون لإصلاح التعليم، تسمح مادته الثانية بتدريس بعض المواد بالفرنسية. وصوت لصالح تلك المادة نواب حزب “الأصالة والمعاصرة” (معارض) والأغلبية الحكومية، باستثناء نواب “العدالة والتنمية”، الذين امتنعوا عن التصويت مع نواب حزب “الاستقلال”. وإجمالا، صوت نواب “العدالة والتنمية” بالموافقة مع مشروع القانون، مع الامتناع عن التصويت على المادتين 2 و31 منه. وتنص المادة الثانية على “اعتماد التناوب اللغوي”، في تدريس بعض المواد، وخاصة العلمية والتقنية منها، أو أجزاء بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية. وانتقدت أحزاب وجمعيات، في بيانات، اعتماد الفرنسية فقط في تدريس عدد من المواد، وعدم اعتماد اللغة الإنجليزية، رغم أن مشروع القانون ينص على التدريس باللغات الأجنبية. ومن المنتظر أن يصادق مجلس النواب، في جلسة عامة، على مشروع القانون، ويمكن أن يقر تعديلات عليه، بما فيها التخلي عن المادة الثانية المثيرة للجدل. وبعد مصادقة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان) على المشروع، يتم نشره بالجريدة الرسمية، ليدخل حيز التنفيذ. غضب واستقالة ردًا على موقف نواب “العدالة والتنمية”، قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق (2011: 2017)، الأمين العام السابق للحزب: “فكرت كثيرًا في مغادرة الحزب، حيث لم أعد أشعر أنه يشرفني أن أنتمي إلى حزب أمانته العامة تتخذ هذا القرار (موقفها من مشروع القانون) مهما كانت الدوافع”. ودعا بنكيران، عبر تقنية البث المباشر في “فيسبوك”، السبت، إلى التراجع عن فرنسة التعليم عبر ذلك المشروع. وشدد على أن “اللغة العربية مسألة مبدأ، حزب له مرجعية إسلامية (العدالة والتنمية) يتنازل عن اللغة العربية في التعليم، ويحل محلها لغة الاستعمار، هذه مصيبة وفضيحة”. ولم تتوقف التداعيات عند هذا الحد، إذ استقال إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس الكتلة النيابية للحزب، من منصبه الأحد. وقال الإدريسي، في رسالة مقتضبة بعث بها إلى نواب الحزب واطلعت عليها الأناضول، إنه سيكشف تفاصيل الاستقالة لاحقًا. وقال عضو بالحزب، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن سبب الاستقالة هو “الخلاف بين أعضاء الحزب حول مشروع فرنسة التعليم”. في ظل انتقادات متصاعدة، قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، الأمين العام ل”العدالة والتنمية”، خلال لقاء حزبي الأحد، إن الحزب “مبني على مبادئ ومرجعية واضحة”، و”سيبقى دائما وفيا لمبادئه وتوجهاته”. واعتبر العثماني أن “الذين يهاجمون الحزب لا يستطيعون أن يهاجموه في عمق مبادئه، وعندما تتعرض لهذا النوع من الحملات (فهو) دليل على أنك تحمل مصالح مشروعة”. لوبي فرنكفوني وفقا لرئيس “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية”، فؤاد أبو علي، فإن “المصادقة على مشروع قانون يسمح بفرنسة التعليم أعادت المغرب إلى الفترة الاستعمارية، وتهدد التعليم بالفشل، خاصة أن الفرنسية فشلت في التحول إلى لغة علوم وإنتاج”. وأضاف أبو علي للأناضول أنه “لا يجب الاستهانة بمشروع القانون؛ فهو ليس قانونا يؤطر قطاع التعليم، بل يعيد بوصلة المغرب إلى الوراء، ويضرب بعرض الحائط عمل الزعماء والمفكرين السابقين الذين كانوا يسعون إلى التعريب”. وانتقد الحكومة بقوله إنها “غيرت بجرة قلم أمورا تمس الهوية، وأعادت المملكة سنوات إلى الوراء”. وتابع: “كان منتظرا من هذه الحكومة أن تبدأ الإصلاح باستكمال مسار التعريب والتمكين للغة العربية، وليس العكس”. واعتبر أن “الجدل الذي أعقب المصادقة على المشروع هو أمر طبيعي”. ومضى أبو علي قائلا إن “اللوبي الفرنكفوني اعتاد أن يمرر هذه الأمور في أوقات معينة، وكان يظن أن ذلك سيمر مرور الكرام، لكن الشعب انتفض عن طريق النخب السياسية والثقافية”. وحذر من “الاستمرار في المصادقة على المشروع؛ فالمغرب سيجد نفسه، بعد سنوات، يجتر الثقافة الفركفونية والفشل؛ فالفرنسية فشلت في عقر دارها.. فشلت في إنتاج العلوم”. وأعلن أكثر من 80 من المثقفين والأساتذة والباحثين المغاربة، في بيان الخميس، رفضهم لما سموه “مهزلة تمرير القانون الإطار” المتعلق بإصلاح التعليم. واعتبروا أن الموافقة على القانون تمثل “عاملا من عوامل استمرار فشل السياسات التعليمية”، و”سعي لفرض فرنسة التعليم، خارج المنطق الدستوري والمؤسساتي”.