قال الباحث المغربي أحمد عصيد أن ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي انتقل من مجرد مطلب للحركة الأمازيغية إلى مطلب يتوفر فيه شرط الجماهيرية بعد تبني الشارع وحركة 20 فبراير له. وأكد عصيد خلال مداخلة له في ندوة حول" ترسيم الأمازيغية في الدستور"، ضرورة التنصيص في تصدير الدستور المقبل على ما أسماه بهوية المغرب الأمازيغية بشكل ينسجم مع الواقع الذي تشكل فيه اللغة والثقافة الأمازيغية عنصرا محوريا في الهوية المغربية. واعتبر الباحث المغربي، أن ترسيم الأمازيغية في الدستور المقبل لا يجب أن يتم على اعتبارها مجرد لغة وطنية لأنها وطنية دونما حاجة للتنصيص على ذلك في الدستور، حسب ما جاء في مداخلته.
من جانبه استعرض الباحث الجزائري في سوسيولوجيا اللغة مولود لوناوسي خلال نفس الندوة التي نظمتها جمعية "ثويزا" للثقافة الأمازيغية، مختلف مراحل تشكل الوعي باللغة والثقافة الأمازيغية بالجزائر والدور السلبي الذي لعبته جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال في إقصاء الأمازيغية من الحقل السياسي والثقافي والعمل على تقزيم حجمها في مقابل تكريس اللغة العربية واعتمادها لغة رسمية.
واعتبر لوناوسي أن التجربة النضالية لأمازيغ الجزائر كانت تجربة مؤلمة وعانت كثيرا من الاضطهاد الثقافي،مؤكدا على أن اعتبار الأمازيغية في دستور الجزائر لغة وطنية،بعد سلسلة نضالات،لم يضف قيمة جديدة لهذه اللغة المضطهدة،وأن المطلوب حاليا هو ترسيم هذه اللغة ضمانا لحماية قانونية كافية لها من أجل تأهيلها لأداء وظائفها الحيوية وذلك عبر العمل على الانتقال من مرحلة التعامل مع الأمازيغية بمنظار عاطفي إلى مرحلة تأهيلها لتكون ليس فقط مجرد تعبير ثقافي بل أيضا لتصير وسيلة لكسب القوت،أي بلغة أوضح،تأهيلها لتصبح في مكانة باقي اللغات الحية في العالم.وحسب عبارته التي أثارت نقاشا واسعا بين الحاضرين، فإنه حان الوقت للتخلص من ربط الأمازيغية بالقلب، ولربطها برغيف الخبز. « Nous voulons une langue de pain et non pas une langue de cœur ».
من جانب آخر اعتبر الأستاذ علال الموساوي في سياق تدخله أن ثمة تشابه كبير بين وضع اللغة الأمازيغية في كل من المغرب والجزائر،مؤكدا على أن هذا التشابه يحملنا على استخلاص العبر والاستماتة في الدفاع عن شرعية مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي،باعتباره يشكل حماية قانوية سامية لها.
واعتبر الأستاذ الموساوي أن الجيل الأول من الدساتير المنظم لفصل السلط وتوازنها ،و الذي كان ثمرة عصر الأنوار،قد تم تجاوزه فيما يبدو،إذ يجري الآن النظر إلى الدساتير ليس باعتبارها نصوصا سا مي ة تنظم المجال السياسي فقط،بل واعتبارها في المقام الأول صكا للحقوق،ومن هذا المنطلق أكد الموساو ي على ضرو رة ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور كإجراء أولي مع ضرورة تمكين اللغة الأمازيغية من كل الأدوات القانونية والتنظ يمية لرفع التمييز والإقصاء ضدها.هذا وقد تميزت هذه الندوة باحتدام النقاش بين صفوف الحاضرين، بين من يتحدث عن مرحلة ما بعد ترسيم الأمازيغية في الدستور، بما يتطلب من أجرأة إدماج هذه اللغة في الحياة العامة؛ وبين من يتحفظ عن عملية الترسيم، وبين تيار شبابي يهدد باللجوء إلى سيناريوهات "بوع زيزية"، في حالة عدم الاستجابة لمطلب ترسيم الأمازيغية إلى جانب العربية.