إن الكلام حول اليوم العاشر من شهر محرم يجرنا تاريخيا مئات بل آلاف السنين إلى الوراء ، ربما إلى زمان سيدنا موسى أو آدم عليهما السلام ، كما أن له ارتباطات في زمان النبوة وزمان الفتنة الكبرى التي شهدها التاريخ الإسلامي إلى عصرنا الحاضر. "نظرة تاريخية" 1. 1. نظرة سريعة للفترة ما قبل ظهور الإسلام: إذا نظرنا للفترة ما قبل الإسلام، نجد أحداثا وقعت في هذا اليوم، و أن هذا اليوم كانت له ميزة و قيمة مختلفين في قلوب الشعوب القديمة، فنجد مثلا: v أن الله تاب على سيدنا آدم في هذا اليوم. v وهو اليوم الذي نجى فيه نوحا و أنزله من السفينة. v وفيه أخرج يونس من بطن الحوت. v و رفع البلاء فيه عن أيوب. v وفيه أيضا أنقذ إبراهيم من النمرود. v كما أنه اليوم الذي رد فيه تعالى يوسف إلى يعقوب. v أيضا أغرق فرعون وجنوده فيه و نجى موسى وبني إسرائيل، فكان اليهود يصومونه شكرا لله على إنجاء موسى. v و صادف العاشر من شهر تشرين – الشهر الأول من السنة العبرية- وهو اليوم الذي أمر فيه موسى اليهود بالصيام تكفيرا عن ذنب عبادتهم للعجل. v وفيه غفر لنبيه داوود. v و في مثل هذا اليوم كانت الكعبة تكسى قبل الإسلام. v و ارتباطا بهذا الأخير فقد اتخذ العرب في الجاهلية الاحتفال بعاشوراء عادة أخذوها عن اليهود. v بينما عده بعض المؤرخين و علماء الآثار إلى أنه عيد مصري قديم يرجع إلى الدولة القديمة و كانوا يطلقون عليه " عيد طرح بذور القمح المقدس". "ملاحظة" هذه الأقوال و الأحداث المذكورة أعلاه تتفاوت درجة صحتها بين أكيد مؤكد والذي هو يوم إنجاء الله نبيه موسى عليه السلام وبين خبر يحتمل الصحة و آخر مشكوك فيه و غيره أنكره الكثير من علماء التاريخ. لكن يبقى الأهم أن هذا اليوم كان له صدى عظيما في مختلف الأزمنة و العصور و في مختلف الأديان و الأجناس و الثقافات الشيء الذي يؤكد و يقرر مبدأ تقارب و تداخل الأديان. 1. 2. نظرة تاريخية لعاشوراء في ظل الديانة الإسلامية: * عصر النبوة: أما في عصر النبوة، فلا يخفى علينا جميعا أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم : "ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟" فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى و قومه و أغرق فرعون و قومه، فصامه موسى شكرا فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه و سلم:" فنحن أحق بموسى منكم"، فصامه رسول الله و أمر بصيامه، ثم قال:" صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود، صوموا يوما قبله و بعهده –وفي رواية: أو بعده- وفي أخرى :صوموا التاسع و العاشر-. * عصر خلافة اليزيد: و غير بعيد عن عصر النبوة يتصادف عاشوراء مع حدث مؤسف في تاريخ المسلمين، في حقبة تاريخية وصفت بزمان الفتنة الكبرى، و ذلك لعظم و بشاعة الإجرام الذي حصل فيها، وذلك عائد لنوعية المظلومين فيها، إنه اليوم الذي قتل فيه حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم و قطع فيه رأسه، إنه اليوم الذي انتهكت فيه أعراض آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه يوم المعركة المؤلمة معركة كربلاء التي دارت بين شرار خلق الله من جنود السكير اليزيد- أمير المؤمنين آنذاك – و بين أطيب و أطهر خلق الله نسل حبيبه المصطفى عليه الصلاة و السلام. "النتيجة" النتيجة الحاصلة من هذه النظرة التاريخية الموجزة، أن اليوم العاشر من محرم و الذي يسمى عاشوراء، له أصول عريقة في وجود البشري، و حظي بمكانة هامة في قلوب المسلمين بين فرح و حزن، و هذا الفرح و الحزن اللذان حصلا في يوم واحد خلقا لنا مشكلا و تعارضا، أنحزن أم نفرح؟ طبعا مع عدم غض النظر عن العوامل السياسية (أقصد بعض الدول التي تدعي السنية أو التشيع و التي تستغل مثل هذه الوقائع لتثبيت كراسيها و استغلال ثروات بلادها وبيعها للصهاينة) و عدم غض النظر أيضا عن العوامل الطائفية (أقصد استغلاله من طرف النواصب و الجهلة من أهل السنة للتنكيل بأعدائهم الشيعة غير مبالين برزية آل البيت و كذا استغلاله من طرف الروافض لنشر أفكارهم المدسوسة) التي تحكمت في كيفية تعامل الناس مع هذا اليوم المهم. لذا فإننا سنتعرض لبعض المغالطات التي ارتبطت باحتفال أو حزن المسلمين في هذا اليوم، و على الكيفية التي نراها الأقرب إلى الصواب في تعاملنا مع يوم تحكمت في السياسة و الطائفية و المصالح أيما تحكم، طبعا ذلك استنادا على السنة النبوية الشريفة و السيرة العطرة، و على النظرة الأصولية و المقاصدية في تعاملها مع مثل هذه الأحداث، مع إضافة لمسات من فقه الواقع. "عاشوراء بين النواصب و الروافض" لقد أخذ يوم عاشوراء طابعا سياسيا و طائفيا سيما بعد معركة كربلاء، فتم رصد بعض المغالطات الناتجة عن ذلك، و التي نص عليها جمع غفير من العلماء المحايدين الموضوعيين، فمن ذلك على سبيل الإيجاز: * استغلال الغلاة من أهل السنة - أو ما يصطلح عليهم ب"النواصب" و الذين يكنون العداء لآل بيت رسول الله - هذا الحدث للاستحواذ على الحكم في أزمنة عدة عبر استغلال عاطفة الطائفة السنية و موقفها من المذهب الشيعي. * استغلال الغلاة من أهل الشيعة – أو ما يصطلح عليهم ب"الروافض" و الذين يكنون العداء لأصحاب رسول الله – هذا الحدث أيضا كان من أجل الاستحواذ على كراسي الحكم و نهب الثروات عبر استغلال عاطفة الطائفة الشيعية و موقفها من المذهب السني. * نتيجة لما سبق، انساق الجهلة من أهل السنة مع خدعة السياسويين النواصب فأصبحنا نرى نوعا من المغالاة في مظاهر الاحتفال بنجاة النبي موسى، و في المقابل انساق الجهلة من أهل الشيعة مع خدعة السياسويين الروافض فأصبحنا نرى أيضا مغالاة في مظاهر الحزن على وفاة سيدنا الحسين. * استمر الوضع على ما هو عليه طبعا، فأفرغ عاشوراء من مضمونه وظهرت مظاهر احتفال غريبة (مثل ظاهرة ألعاب عاشوراء - وهذه لها أصل في السنة لكن لمقصد آخر وليس لمقصد الاحتفال فقط - ومثل ظاهرة الاحتفال بالنار أو الماء عندنا في بعض مناطق المغرب، و مثل تخصيص أطعمة خاصة بهذا اليوم ....) كما ظهرت مظاهر حزن دخيلة على الدين ( مثل الضرب على الخدود و شق الجيوب و ضرب الأجسام و إدماؤها و الدعاء بالويل و الثبور .....) فأصبح عادة عند كلا الطرفين لا غير. * في ظل هذا الوضع المتأزم بين الطرفين كما أسلفنا، يلاحظ الغياب الواضح للموضوعية من طرف العلماء، كما يلاحظ شح المراجع و المصادر الموضوعية، و مما يزيد الطين بلة عدم مبالاة علماء السنة و الشيعة بعملية التوفيق و الإصلاح و الجمع بين الأمرين، فكل يسعى لإثبات مغالطات الآخر ضاربا قواعد الجمع بين القضايا المتعارضة، و مهملا إهمالا تاما لفقه الواقع، إذ لو انتبه الطرفان بخطورة ما يمارسونه لكان الوضع مختلفا كثيرا عما هو عليه الآن. * و يبقى طبعا المستفيد الأكبر من العملية و المباراة كلها أعداء الإسلام، طبعا أقصد القوى العالمية الكبرى التي تستفيد من الحروب الطائفية المفتعلة و المصطنعة في بلدان المشرق العربي –الشرق الاوسط - ، لا يخفى علينا جميعا ما يحدث في العراق و سوريا من تناحر بين شرائح المجتمع الإسلامي، و الذي تصل حممه إلى العالم الإسلامي كله. * و في سياق المستفيدين من هذا الصراع أقصد بالخصوص الدولة المختلقة بفلسطين و المغتصبة لأرضها و المهينة لكرامة المسلمين و العرب منذ قرن من الزمن، دولة إسرائيل الصهيونية و التي نهديها بتفرقنا و تشتتنا أجمل هدية إذ نساعدها على تحقيق هدفها المتمثل في السيطرة و الامتداد من نهر الفرات بالعراق - الذي أنهكت قواه بالاحتلال الأمريكي و الصراع الطائفي – إلى نهر النيل بمصر – التي أنهكت قواها بالانقلاب العسكري الأخير الذي قاده المجرم السيسي-، و ارتباطا بموضوع عاشوراء الناصبي أو الرافضي فلا ننسى دور اليهود في كلا الجانبين، نذكر على وجه الخصوص عبد الله بن سبأ عند الروافض، و نذكر ذي الجوشن اللعين عند النواصب و الذي فصل رأس سيدنا الحسين رضوان الله عليه. "خاتمة" لعل أجود كلام قد يجمع المراحل و المؤامرات و الصيغ و التصورات و المقاربات التي مر منها يوم عاشوراء، هو ما قاله الدكتور سعيد بوعصاب في صفحته على الفيسبوك : " الاحتفال بعاشوراء ، كان قبل الإسلام في بني إسرائيل شكر على نعمة نجاة موسى من فرعون ، وفي صدر الإسلام ، عبادة وشكر على نعمة ، وأصبح في زمن الأمويين سياسة ، وأصبح عند كثير من الناس اليوم عادة ". "عاشوراء مزيج هادئ من الاحتفال و الحزن ... عنواني في هذا اليوم" نعم ... إنها مزيج من الاحتفال و الحزن، فهي احتفال بالنظر إليها نظرة شرعية كما نظر إليها في زمان النبوة، و الاحتفال بالنصر و النجاة أمر مقرر و مؤكد و مطلوب في الشريعة الإسلامية و السيرة النبوية، لكن يبقى السؤال كيف نحتفل؟ ولعل كيفية احتفاله صلى الله عليه وسلم لا تخفى على أحد، فهو احتفال هادئ عبارة عن عبادة و شكر لله تعالى تجلى في الصيام، و كان هذا الاحتفال ذا أهداف و مقاصد...... ، أما إذا نظرنا إلى عاشوراء بالنظرة التاريخية فهي أيضا حزن هادئ إنها حزن لفاجعة الأمة التي أصابتها، و حزن هادئ لأننا نستحضر كيفية حزن النبي صلى الله عليه و سلم الذي هو مصدر التشريع و ليس أفعال بعض الناس المنتسبين لمذهب معين، و كان هذا الحزن أيضا ذا أهداف و مقاصد.... إذن الاحتفال و الحزن الهادئان أمران مقرران في السيرة النبوية و يجب أن نستحضر مقاصد كل منهما في عاشوراء لكننا نسقط عندما نقرر كل منهما في مشكلة التعارض، و مشكلة التعارض أمرها محسوم عند علماء الأصول، إذ أننا نقدم المصلحة على المضرة، و نقدم الأرجح على الراجح و هكذا، و لكن قبل ذلك تأتي قاعدة إمكانية الجمع بين الأمرين، فالاحتفال و الحزن الهادئان في هذا المقام أمران متكافئان في الأصلحية و الأرجحية، و يمكن الجمع بينهما، فيبقى السؤال: كيف يمكن الجمع بينهما؟ لعل محمدا صلى الله عليه و سلم لم يطلع على الأزمات التي ضربت الأمة الإسلامية جراء الأطماع و المصالح الطائفية و السياسية، لكن الذي خلق محمدا و هداه إلى صيام عاشوراء أكيد اطلع على تعارض الاحتفال بموسى و الحزن على الحسين، لذلك نجد أن الاحتفال النبوي بعاشوراء يختلف عن احتفاله بالأضحى و الفطر و غيرهما، و كأن محمدا صلى الله عليه و سلم ينظر إلى مقتل سبطه الحسين فيوازي و يوافق بينه و بين الفرحة بنجاة أخيه موسى، و أنا أعتقد أنه لو عاش مقتل سبطه لحزن أيضا لمقتله كما فرح بنجاة موسى، كيف لا و الرواية تقول بأنه صلى الله عليه و سلم أتى العباس مناما و في يده إناء يجمع به دم الحسين عليه السلام. و الأكيد من ذلك كله أنه لو كان في زماننا الحاضر لما أقر احتفالات النواصب اللامبابين بمقتل من أخبر النبي بمقتله و استشهاده و كونه أفضل شباب الجنة، و لما أقر مآتم و مذابح الروافض الذين يختبئون وراء آل البيت لتحقيق أهداف خبيثة و لما سمح لذلك بأن يفرق بين صفوف المسلمين و هذا ما يدعى بفقه الواقع. أخيرا .... نشكر الله عز و جل أن أنجى موسى و قومه المظلومين من فرعون و حاشيته الظالمين ، و نحزن و نتقدم بأحر التعازي للأمة الإسلامية لمقتل ملهم ثورات المظلومين الذي فصل رأسه عن جسده بشط الفرات على يد الملعونين الظالمين ، إنها يا أحبتي قضية واحدة قضية موسى هي عينها قضية الحسين ، إنها قضية الأمر الذي حرمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرما وليس قضية شيعة و سنيين ، إلى متى سيظل هذا الفراق و الشتات ينخرنا، يدمرنا، يهلكنا، يلعننا، يضحك علينا أعداءنا... إلى متى... إلى متى ... إلى هنا أترك حضراتكم ليحتفل أو ليحزن كل على شاكلته، لأنزوي إلى زاويتي بهدوء فرحا حزينا ، أتأمل حال المسلمين يتناحرون يقطع بعضهم رقاب بعض بأسلحة أمريكية و روسية و باسم الله، وفي الأخير تتحقق مصالح نتنياهو، و داعش تقول: اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم.