في قراءة متميزة أقدم عليها المفكر المغربي الأستاذ عبد الإله بلقزيز * بين فيها بأن مجال الإصلاح الديني لدى النهضويين العرب شكل مدخلا أساسيا لمشروع النهضة العربية ،وذلك انطلاقا من التركيز على محوريين أساسيين : محور التوحيد ، ومحور نظام الحكم المدني . ففي الأولى تم التأكيد على ضرورة التمسك بإسلام أهل السنة والجماعة ، بنبذ كل مظاهر الابتداع ، والخرافة وسائر بقايا الوثنية ، أما في الثانية ، ينبغي فيها مراجعة الصلة بين الديني والسياسي بالشكل الذي يتناسب مع مفهوم الدولة المدنية عبرا لأخد بعين الاعتبار الموقف الإسلامي الأصيل من السياسة والسلطة . ويمكن اختزال فكرة الإصلاح الديني عند مفكري النهضة العرب خلال حقبة القرن 19، في ثلاث حاجيات أساسية ميزتها جرأة في تشخيص مكامن الداء : • ضرورة تكريس العودة إلى النص الديني بمعناه المنفتح القابل للتأويل ، الرافض للشرح الأوحد ،فالنهضويون العرب خلال هاته المرحلة تصدوا لمن " نصبوا أنفسهم ، وبغير حق أوصياء على النص الشرعي "* مصرين على تكريس دورهم وسيطا بين المؤمنين والوحي " الأمر الذي هيأ لهم أسباب سلطان ليس لهم عليه دليل في الدين ، ولا لهم منه نصيب شرعي "*. • وجوب تطوير الفهم الفكري للنصوص الدينية ، على النحو الذي يجنب المجتمع والأمة من التصادم بين النص والواقع ، عبر إعمال العقل وتوسيع قاعدة الإجتهاد في وعي النص ، وجعل العقل الفقهي وإجتهاداته تجاري حاجيات المسلمين الحضارية ، بالنظر لما يتيحه الإسلام الأصيل المعتدل من مسايرة وتتبع لأحوال الأمة وتطلعاتها الحضارية . • التطلع نحو تحرير المجال الديني من الإحتكار السياسي ، وذلك بالعمل على " مواجهة النظم السلطانية التي تستثمر الرأسمال الديني في الصراع السياسي ، بهدف إضفاء الشرعية على سلطاتها "* ، مع نمو حركات المجتمع السياسي منذ ظهور جماعة الإخوان المسلمين بمصر إلى اليوم ، والتي حولت الإسلام من عقيدة الأمة إلى إيديولوجية خاصة بفريق واحد فيها . لكن يبدوا أن هاته الحاجيات الثلات المشار إليها ، لم تحسم بالشكل الذي يمكن الإقرار معه بوجود بوادر الإنفراج في الإشكالات القائمة أمام مشروع الإصلاح الديني والسياسي العربي بما يحقق النهضة ، حيث لازالت الوصاية على النص الشرعي قائمة ، وبأشكال متعددة تعدت ما كانت عليه ، بطغيان التفسيرات الانتقائية والإسقاطية ، والغرائبية للقضايا الفقهية ، كما لازالت العلاقة بين السياسي والديني في بعض "النظم السلطانية" ٌ قائمة في الوقت الذي تقوت فيه مظاهر تسييس الدين ، وتديّن السياسة ، وتحويل الصراعات الإديولوجية والمشاريع السياسية والمجتمعية ،إلى صراعات عقائدية أو طائفية أو مذهيبة . ___________________________________________________ • عبد الإله بلقزيز .'' الإسلام والسياسة ، ودور الحركات الإسلامية في صوغ المجال السياسي " المركز الثقافي العربي – الدارالبيضاء الطبعة الأولى 2001 • عبد الإله بلقزيز ص195 • عبد الإله بلقزيز ص 196 • محمد عبده " الإسلام بين العلم والمدنية " كلمات عربية للترجمة والنشر – جمهورية مصر العربية 2011 • علي أومليل " الإصلاحات العربية والدولة الوطنية " المركز الثقافي العربي - الطبعة الأولى – الدارالبيضاء 1985