ما إن تطأ رجلك أرض تافراوت وأملن إلا وتستوقفك المعلمة المعمارية الأصيلة " المنزل الأمازيغي التقليدي " الكائن بدوار أومسنات بجماعة أملن على الطريق الرابط بين تافراوت وإداوكنضيف ، وهو المنزل التقليدي الأصيل الذي حوله عبد السلام أهراس من أطلال الى متحف يعرف من خلاله الزوار المغاربة والأجانب على جانب بهي من عمق الحضارة الأمازيغية بجبال الأطلس الصغير وبالخصوص ما يرتبط بالبناء وفن العيش خلال القرون الماضية . فكيف ارتبط عبد السلام أهراس الكهل الضرير حاليا والذي يستقبل زواره و الابتسامة لاتفارق محياه من مهاجر الى طنجة في خمسينيات القرن الماضي ولاعب لكرة القدم بنادي بني مكادة بطنجة الى محافظ وراو لجزء هام من تاريخ الحضارة العريقة بأملن وتافراوت ؟ تبتدأ قصة عبد السلام أهراس حين قرر الهجرة من قرية أومسنات الى مدينة طنجة ليعمل كمساعد تاجر لذى أحد معارفة ليتعلم أصول مهنة التجارة كغيره من أقرانه من أبناء سوس وكان ذلك في حدود سنة 1952 وعمره آنذاك لايتجاوز 10 سنوات ،وبسرعة كبيرة اندمج عبدالسلام في وسطه الجديد فالى جانب الاشتغال بالمتجر نهارا كان حريصا على متابعة التعليم حيث التحق بالدروس المسائية بالمدرسة الإسلامية الحرة ومنها التحق بمدرسة عبد الله كنون بطنجة وهي من المدارس الحرة بالمدينة التي تحرص على زرع روح الوطنية في مرتاديها أثناء فترة الاستعمار، كما تابع بعد ذلك دروسا حرة في التكوين المهني تخصص الميكانيك بأحد مراكز التكوين آنذاك بطنجة ، والى جانب التحصيل الدراسي والإشتغال بالتجارة انضم الشاب عبد السلام في بداية ستينيات القرن الماضي الى فريق كرة القدم الذي كونه الشباب السوسي المشتغل بالتجارة بمدينة طنجة والذي يجري لقاءات دورية مع باقي الفرق المهنية المحلية للترويح عن النفس ،وكان لتألق اللاعب عبد السلام كمهاجم قناص بهذا الفريق الدور الحاسم في انضمامه بعد ذلك لفريق حي بني مكادة بطنجة الذي يمارس ببطولة العصبة المحلية بعد ان تتبعه أحد مسيري الفريق الطنجي في لقاءات فريق تجار سوس بباقي فرق الأحياء بطنجة وقرر جلب اللاعب والمهاجم المتألق لتعزيز صفوف الفريق الطنجي في بطولة العصبة، التحاق الشاب عبد السلام لم يدم طويلا إثر اصابته خلال موسم 1966/1967 أثناء تداريب الفريق الطنجي بملعب " الصواني " وهو يستعد لمقابلات بطولة العصبةالتي تجرى بملعب مرشان بطنجة ، وعن هذه الإصابة الى لحقته يقول عبد السلام أنه وأثناء تداريب الفريق الطنجي وفي حصة الكرات الثابتة حاول التصدي لكرة قوية بالرأس سددها أحد زملائه من أجل تسجيل الهدف فتصدى لها بالراس لتحويل إتجاهها نحو المرمى فتمكن من ذلك غير أن قوة الكرة وسرعتها بالإضافة الى نوعية الكرة المستعملة آنذاك جعلته يصاب في رأسه ويفقد البصر للحظات ، ليستعيد عافيته بعد ذلك وليواصل التداريب ، غير أنه وفي اليوم الموالي لاحظ الإحمرار الكبير لعينيه ونقص في قوة بصره وهو ما جعله يلجأ للمستشفى بطنجة ثم متابعة العلاج بمدينة سلا بعد إشتداد الأمر وإستمرار نقصان قوة نظره لينقطع عن ممارسة كرة القدم وليتفرغ للتجارة غير أنه ومع مرور السنوات بدأ يفقد نظره تدريجيا الى أن أصبح ضريرا سنة 1973 وهي السنة التي قرر خلالها العودة الى مسقط رأسه حتى لايكون عالة على أحد بطنجة . اندمج عبد السلام مع وضعه الجديد بقريته بأومسنات بأملن تافراوت ليقرر الزواج بالقرية سنة 1975 وهو مادفع به الى بناء منزل جديد بعيدا عن المنزل التقليدي القديم الذي ورثه عن أجداده انطلاقا من سنة 1979 . وكان لإهتمامه الكبير بالتاريخ والحضارة ومجالسته الدائمة لشيوخ القرية والإستماع لرواياتهم الأثر الكبير في القرار الذي اتخده بتحويل منزل العائلة القديم الذي نشأ به صغيرا ولجأ إليه كبيرا بعد العودة من طنجة الى متحف يحكي تاريخ الفن المعماري الأصيل بقرى الأطلس الصغير وفن العيش بهذه الربوع الغنية بالموروث الحضاري العريق ، ليشرع عبد السلام في تحدي الإعاقة البصرية ويفتتح متحفه منذ سنة 1981 كمتحف يعرف الزائرين بجزء من الحضارة الأمازيغية بهذه الربوع السوسية . ما إن يجلس الزائر الى جانب عبد السلام إلا وينطلق هذا الأخير في سرد كل كبيرة وصغيرة حول الفن المعماري المميز للمنزل الأمازيغي التقليدي بسوس مع سرد لتفاصيل العيش بهذا المنزل ومحيطة مرورا بالمحيط العام للحياة الجماعية بالقرية أثناء الافراح والأقراح ، وتفاصيل الحياة خلال فصول السنة والتذكير بالقوانين العرفية التي تحكم التعامل بين السكان وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي يجيد عبد السلام روايتها بالأمازيغية والعربية والفرنسية مع إلمام قوي باللغة الإنجليزية والإسبانية والألمانية و هو ما اكتسبه عبد السلام بالممارسة والتعامل مع السياح طيلة عقد من الزمن ، والى جانب الإلمام بتفاصيل الحضارة المعمارية وتفاصيل الحياة العامة يجيد عبد السلام العزف على ألالات الموسيفية التقليدية المحلية ويحرص دوما على توديع ضيوفه من محبي الفن الغنائي الأمازيغي بآداء مقاطع من روائع الحاج بلعيد وألبنسير وبيزماون وهم من الفطاحلة التي يحفظ عبد السلام الكثير من أغانيهم . إنه بورتري مصغر للإنسان السوسي الذي تحدى صعاب الطبيعة ومتاعب الحياة وحرص على خدمة منطقة أملن تافراوت بما يملك لثمين حضارة أجداده والتعريف بها ، وهو نموذج حي في التحدي الذي يميز أهل سوس العالمة بحضارتها العريقة والممتدة لقرون عديدة .