يحتفل المغرب بحلول السنة الامازيغية الجديدة 2961 وكله آمل في أن تكون السنة الجديدة أحسن من سابقتها بخصوص قضية الامازيغية ونطرح السؤال التالي في سياق هذه الاحتفالات: الامازيغية ثلاثون سنة بعد؟ إن المتتبع لمسار القضية الامازيغية، سيجد أمامه تجربة فريدة من نوعها في تاريخ المغرب الثقافي. لان مشروع الحركة الوطنية مباشرة بعد الاستقلال لم تكن أهدافه فقط بناء الدولة الوطنية حسب المنظور المشرقي، ولكن كان روادها يطمحون إلى جعل المغرب نموذجا لدولة مشرقية شكلا و مضمونا. فمن يلقي نظرة سريعة على وثائق الحركة الوطنية بدا من وثيقة المطالبة بالإصلاحات مرورا بوثيقة المطالبة بالاستقلال وانتهاء بمشاريع التعليم والإعلام وتنظيم الدولة، سيجد أن ما يمكن أن يسمى الامازيغية فيما بعد، غير وارد البتة. وأن كل ما من شانه أن يذكر بما يختلف عن المشرق يعتبر ناشزا وممقوتا وفي بعض الأحيان خارجا عن الأمة والإجماع. في ظل تلك الايويولوجية المعززة بترسانة تشريعية – الدستور- وقوانين تصب كلها في جعل المغرب وبسرعة جزءا من المشرق ضدا على الجغرافيا والتاريخ والواقع. فطيلة مدة من الزمن كانت الدولة المغربية سجينة فكرة المغرب كما ينبغي أن يكون و ليس المغرب كما هو. لقد ضيع المغرب زمنا طويلا وأموالا باهظة في تحقيق مغرب مشرقي غير أن الواقع لا يرتفع. في خضم كل ذلك ظهرت بوادر الحركة الامازيغية بشكل جنيني، في ظروف كان الجميع يعتقد أن = البربرية= ألت إلى الزوال وان على من يذكرها عليه أن يحسب له ألف حساب كما انه عليه أن يقدم شواهد حسن السيرة وحسن النية للمتلقي حتى لا يسمع ما لا يرضيه أو يرمى فيما لم يراه. لقد كان نشطاء الامازيغية في السبعينات ينعزلون في المدارس و الجامعات لكي يتحدثون بالامازيغية، ويوقعون بحروف تيفيناغ حتى لا تظهر أسمائهم ويفضح أمرهم. ومن اخطر مصاعب هؤلاء هو أنهم لم يواجهوا فقط قمع الدولة ولكنهم يواجهون قمع المجتمع وقواه البارزة والفاعلة. فان تكون مناضلا امازيغيا في ذلك الوقت كمن يرمى في ساحة الوغى و الحرب بدون سلاح، ولم يبق لك إلا سلاح الكلمة وقول الكلام الجميل، وتمتحن في كل لحظة عن نواياك وخلفياتك حتى لا ينزل عليك سيف = الظهير البربري= الذي يعتبر احد اخطر فصول القانون الجنائي المغربي الغير المعلن. لقد نهجت الحركة الامازيغية التي انتظمت في جمعيات وجعلت من بين أهدافها خدمة الامازيغية بتقية الثقافة الشعبية في بداية الأمر. و لم تكد أن تنتهي الثمانينات من القرن الماضي حتى انتشر فكر = الحركة الامازيغية= مكنت من توقيع أول ميثاق ثقافي يوضح موقف الحركة الامازيغية بشكل واضح سنة = ميثاق أكادير 1991= ليكون أول وثيقة من نوعها في تاريخ المغرب من هذا النوع. وقد تمكنت الحركة الامازيغية بعد ذلك من الحصول على مكانتها بين الحركات الاحتجاجية المغربية. و بالرغم من أن تلك الحركات الاحتجاجية لم تضع من بين أهدافها الدفاع عن الامازيغية إلا أن الحركة الامازيغية انخرطت في سياقها و استفادت في نتائج نضالاتها بشكل عام. ومن هذا المنظور يتعين على أدبيات الحركة الثقافية الامازيغية أن تدخل في سياق تطورها هذه المعطيات، ذلك أن الحركة الثقافية الامازيغية بالمغرب تطورت بشكل مواز لتطور الحركات الاحتجاجية في مجال حقوق الإنسان بالمغرب. وإذا كانت الحركات الاحتجاجية المغربية قد حصلت على بعض حقوقها من حرية الصحافة النسبية و حقوق المرأة وحرية تكوين الأحزاب، وإذا كانت معظم مكونات الحركة اليسارية قد انخرطت في المشروع السياسي العام واستفادت وطبقت مبادئها و لو بشكل نسبي، فان الحركة الثقافية الامازيغية وجدت نفسها أمام واقع جديد يختلف عن بداية الاستقلال، فان الحركات الاحتجاجية الحقوقية والسياسية التي كانت الحركة الثقافية الامازيغية تناضل في إطار سياقها كجبهة واحدة. ذلك أن تلك الحركات المعارضة تدغدغ أحلام الامازيغ بالإشارة المقتضبة إلى تهميشهم دون أن يكون ذلك موقف مبدئي أو أولوية من أولوياتها. وجدت الحركة الثقافية نفسها شبه مكشوفة وهي ستواجه السلطة المركزية وحدها بدون تغطية. وقد شعرت الحركة الثقافية الامازيغية بمسؤولية كبرى من أن يذهب كل ما حققته سدى إذا تخلفت عن التوجه العام الذي اتخذته الحركات الاحتجاجية الأخرى التي كان الامازيغ يناضلون فيه من قبل. فكان عليها أن تختار ما بين العزوف عن الانخراط في المشروع الجديد للدولة المغربية المتسم بالاعتراف الرمزي لبعض مطالب الحركة الامازيغية بعد إعادة صياغتها من طرف الدولة، أو الانخراط فيه تمشيا مع التوجه العام للحركات التي كانت تشكل التغطية السياسية العامة لتلك الحركة. غير أن الدينامكية الطبيعية لهذه الحركة اختارت المزج بين الموقفين فلم تتخلف عن التوجه العام تمشيا مع إستراتيجيتها والانفتاح والايجابية في التعامل، مع التشبث بالمبادئ العامة للحركة الثقافية الامازيغية والتي تتلخص في شعارها: افكان – اكال- اوال / الانسان- الارض- اللغة فالحركة الثقافية الامازيغية التي أصبحت تشعر بان الحركات الأخرى لم تضع مطالبها ضمن الأولويات – الأحزاب السياسية- الجمعيات الحقوقية- الجمعيات النسائية – و بالتالي فان مشروع الانخراط ضمنها أصبح الآن في تراجع مذهل فقد تراجع مناضلي الحركة الثقافية الامازيغية في جمعيات حقوق الإنسان، مؤسسة جمعية خاصة بحقوق الامازيغ، كما وقع نفس الشيء في اتحاد كتاب المغرب، إذ بدأت الاستعدادات لإنشاء اتحاد كتاب المغرب، كما أن مناضلي الحركة الامازيغية في مختلف الأحزاب السياسية وخاصة منها الأحزاب اليسارية تخلوا عنها وأصبحوا في موقف انتظار، إضافة إلى إنشاء جرائد امازيغية خاصة بعدما صدت عنها الجرائد الأخرى صفحاتها. مما يخشى أن يشكل ذلك بداية لإنشاء جزر منفصلة فيما بينها، حيث سينشأ دوائر فكرية. كما أن خوف الحركة الامازيغية من ضياع مكاسبها بين حين وآخر، اختارت منذ عشر سنوات أن تنخرط في النضال الدولي بهدف كسب نوع من الحماية الدولية لنضالها ومكاسبها بعدما وجدت أن المنظمات المغربية الأخرى لا تتحدث عن مطالبها في المنتديات الدولية، بل تجعل نفسها مدافعة عن حقوق الشعوب بعيدة عن هموم الشعب الامازيغي. لقد فهمت الحركة الامازيغية أن القضية الامازيغية لم تكن فقط ثقافية كما يبدو لنا نحن المثقفين، ولكن لها جوانب سياسية أساسية. تدافع الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان عن كل شيء عدا الامازيغية إلى أن قررت المؤسسة الملكية أن تباشر الموضوع بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، ليبدأ الجميع يتحدث عن الامازيغية، فهي غير واردة في جدول أعمالها. أمام تلك الوضعية اتجهت الحركة الامازيغية بإنشاء الأحزاب السياسية الامازيغية لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر، وطرحت مواقف واضحة وتصورات المغرب الحديث بشكل واضح وطرحت قضايا جديدة لم تطرح بوضوح في المغرب كالفدرالية، وفصل الدين عن السياسة وتنويع مصادر التشريع بالمغرب، وجعل الامازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية. وبالرغم من أن العديد لم يبال بما يحدث الآن في الحركة الثقافية الامازيغية من تغيير اعتبره في غاية الأهمية بالنسبة لمستقبل البلاد، ولو في شكله البسيط الآن. إن شعار الامازيغية مسؤولية وطنية لازال لم يترجم إلى ارض الواقع باستثناء ما تقوم به الدولة في حدود ما تعتبره اعترافا بالامازيغية كتدريس اللغة الامازيغية والذي يبدو إقحاما في منظومة تعليمية غير متجانسة، تبدو فيها الامازيغية كعنصر غريب يبحث عمن يثقن الامازيغية لتدريسها كأن الآخرون غير معنيين، وهو ما اعتبره خطأ فادحا، وهو تعبير عن المقاربة العامة للدولة المغربية للامازيغية. صحيح أن المرحلة الانتقالية تستدعي ذلك، غير أن طول المدة قد تتولد عنها عادات يصعب استئصالها وقد تأتي بنتائج عكسية. وبخصوص الهوية المغربية اعتقد انه يتعين على كل الفاعلين السياسيين اخذ قضية الهوية المغربية بموقف وطني وجدي قصد طي ملف مشكل الهوية المغربية بالاعتراف بكل المكونات الثقافية للمغرب قبل فوات الأوان. كما أن الحركة الثقافية الامازيغية يتعين عليها أن تستعد للمرحلة المقبلة بكل مسؤولية ووطنية حتى يتم الدفاع عن المغرب كأكبر وطن للامازيغ ضد التحديات التي تواجهه قبل نهاية العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرون. +رئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالجنوب المغربي