لم ينعقد مجلس الوزراء، لأن رئيس الجمهورية مريض، وغاب العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشعبي الوطني عن افتتاح الدورة الخريفية لأنه مريض، وظلت الوزارة المنتدبة للشؤون الإفريقية والمغاربية شاغرة منذ عدة أشهر لأن الوزير عبد القادر مساهل مريض. الغريب أن الكل يعترف ابتداء من رئيس الجمهورية نفسه بأن جيل الثورة "طاب جنانو" في الخطاب فقط، لكن في الممارسة والواقع يحدث أمر آخر. ليست القضية في تعرض مسؤولي الدولة إلى التعب والمرض، فهو أمر طبيعي يحدث لدى مسؤولي كل الدول في العالم، لكن المشكلة أن مرض أي مسؤول مهما كان وزنه ينعكس مباشرة على السير العادي لمؤسسات الدولة وتحدث حالة من الشلل والجمود السياسي في البلاد وفي المؤسسات الدستورية. فمرض الرئيس بوتفليقة أدخل الحكومة والبرلمان في عملية دوران داخل دائرة مغلقة ترى في "الجمود" علامة استقرار، حتى وإن كان استقرار شبيه بمياه المستنقع، مياه غير متحركة من فوق وتعفن من تحت. وفي الوقت الذي شهدت الدول الفاعلة في الساحة الدولية بروز وميلاد قيادات شابة، على غرار أوباما وديفيد كامرون وفرانسوا هولاند وبوتين وغيرهم كثيرون، وذلك استجابة للتطورات السياسية والاقتصادية الرهيبة التي كرستها العولمة، فإن الجزائر ظلت تسبح عكس التيار في تعيين واختيار المسؤولين، حيث يتم دوما اللجوء الى "المتقاعدين" للإشراف على تسيير أهم المؤسسات والقطاعات الوزارية. فهل هو خيار اضطراري في ظل غياب الكفاءات؟ أم أنه خيار مقصود من السلطة للحيلولة دون بروز من ينافسها على مقعد الحكم ؟ كان يمكن تفهّم مثل هذه التعيينات للمتقاعدين في العقود الماضية، لكن أن يستمر نفس النهج حتى والجزائر قد دخلت الخمسينية الثانية للاستقلال، فهو أمر لا يفهم سوى من باب رفض مسؤولي السلطة الاعتراف بما أسماه زعيم الأفافاس حسين آيت أحمد ب "دورة الحياة"، وهو ما يعني أن هناك مسؤولين في أعلى هرم الدولة مسكونين بالسلطة إلى حد الموت فيها وليس خارجها. ومن بين نتائج هذا الواقع ما يجري حاليا من تسيير الجمهورية "عن بعد "، بسبب مرض الرئيس وعدم قدرته على ممارسة مهامه بشكل طبيعي منذ عدة أشهر، الأمر الذي خلق حالة من "التكلس" داخل مؤسسات الدولة تنذر حسب سفيان جيلالي ب "انفجار". هذا الوضع لخّصه رئيس الحكومة الأسبق والمرشح للرئاسيات أحمد بن بيتور في إحدى كتاباته، بأن السلطة ‘'فقدت مصداقيتها وقد انتهت صلاحيتها ولا تريد أن تسمع إلا صوتها" من خلال سعيها كما يقول "الى استغلال على ما يبدو، حكمة شعب قهرته سنوات الدم والفوضى، فهي تتجه لا محالة إلى طريق لا مخرج له وتريد شراء سلم اجتماعي باستثمار أموال ريوع تدرّها ثروات غير متجددة''. وفي الوقت الذي "شاخ النظام" ولا يريد أن يتغير، مثلما قال المرحوم عبد الحميد مهري، لا يزال البعض يتساءل لماذا لم تدخل الجزائر نادي مجموعة "البريكس"، وهي تزخر بإمكانيات مالية وثروات باطنية وطاقات وكوادر شبانية !؟. لقطات تسيء لبوتفليقة ولا تخدمه رئيس مريض في جمهورية "طاب جنانها" ترفض التغيير أصيب غالبية رؤساء الجزائر الذين حكموا قبل عبد العزيز بوتفليقة بالمرض مثله وبعضهم عالج في الخارج مثله، ولكن لا أحد منهم أبدى حرصا على الظهور أمام الجزائريين متعافيا، في حين الصورة تثبت للعيان عكس ذلك، كما فعل بوتفليقة منذ عودته من مشفاه بباريس. لو صحَ أن السعيد بوتفليقة، كبير مستشاري شقيقه في الرئاسة وفي العائلة، هو صاحب التدبير في ظهور الرئيس بالطريقة التي شوهد عليها عندما استقبل الفريق قايد صالح والوزير الأول عبد المالك سلال، فهو بذلك يضرّ أخاه الأكبر ولا يخدمه، لأن الصورة تعزز القناعة بأن رئيس الجمهورية مريض وعاجز عن أداء المهام والصلاحيات والسلطات المنصوص عليها في الدستور، على عكس تماما الرسالة التي يراد تمريرها من خلال بث هذه الصور وهي أن نزيل قصر المرادية يتابع الأوضاع على الحدود المضطربة، ومهتم بالدخول الاجتماعي والمدرسي وبنتائج الزيارات التي قادت سلال إلى الولايات منذ أن أقعده المرض. أما إن كان الرئيس هو شخصيا مهندس خطة ظهوره بلباس الراحة، ووضع وسادة تحت ذراعه الأيسر لإسناده بسبب التأثر من تبعات الجلطة الدماغية، وأخرى على ظهره، زيادة على "مسرحية" توجيه التعليمات بصوت لا يكاد يسمع وحمل فنجان القهوة باليد اليمنى التي سلمت من الجلطة، فهو بذلك يسيء لنفسه أولا وللمؤسسة التي يوجد بها منذ أكثر من 14 سنة، بل ويسيء للبلاد بكاملها. والسبب أنه يسوّق صورة عن رئيس خارت قواه بفعل تقدمه في السن ولكن خاصة بفعل المرض. وبذلك فالصور التي شاهدها الجزائريون الأسبوع المنصرم، تحمل معان إنسانية تثير في النفوس الشفقة، ماكان ينبغي بثها لمرمدة أهم رمز في الدولة، لمجرّد إشباع رغبة جامحة في تكذيب الأخبار التي تتحدث عن استحالة قدرة الرئيس على الاستمرار في الحكم. وبالمحصّلة، تقدم اللقطات التي بثها التلفزيون العمومي عن الرئيس وهو يستقبل قايد وسلال، مزيدا من التأكيد بأن بوتفليقة انتهى كرئيس للجزائر، سواء اقتنع صاحب الشأن بهذه الحقيقة أم لم يقتنع، وسواء ابتلعها المنتفعون من سنوات حكمه الحالمون ببقائه في الرئاسة فترة رابعة أم لا. وكان الرئيس صرّح العام الماضي، بأن الجيل الذي ينتمي إليه "طاب جنانو" بسبب التقدم في السن. وفهم من هذا الكلام أنه لا يعتزم الترشح لعهدة رابعة وفهم منه أيضا أن المسؤولين مثله الذين طاب جنانهم، يفترض أن يتنحوا من مواقع المسؤولية لأن قانون الطبيعة يفرض ذلك، ولأن عشرات الآلاف من الكوادر الذين تخرجوا من الجامعات حان وقتهم ليلتحقوا بمراكز المسؤولية في تسيير شؤون البلاد. وعلى هذا الأساس ما كان لائقا بث صور لرئيس دولة فاق ال76 مع رئيس أركان جيش هذه الدولة يقترب من ال80، يناقشان قضية في أهمية وضع ملتهب كالذي تشهده حدود الجزائر منذ مدة، تستدعي مواجهته طاقات يافعة "مصحصة" لا تعاني من أي شيء يحول دون الوفاء بأعباء المسؤولية. الجزائر: حميد يس حوار أمين عام حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، ل"الخبر" إذا نجح النظام البوتفليقي سنعود إلى فترة القابلية للاستعمار الرئيس مريض وهو حال رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين وقادة الجيش، ومع ذلك ما زالوا متمسكين بالسلطة كيف تقرأ هذه الصورة ؟ للأسف بعد نصف قرن من حكم جيل الثورة، لم ننتقل إلى مستوى تفكير الدولة، بل لازلنا في مرحلة تفكير السلطة، والجيل الحاكم حاليا، أغلق على نفسه وأنتج عصبيات تقوم على علاقات الثقة والسن، ومنطق الاستمرار في الحكم وتوظيف من هم أصغر سنا لتطبيق القرارات، واستهلكوا بهذا الخصوص وزراء من الجيل الثاني، لأنهم ليسوا قادرين على مهمة التنفيذ. هذا الجيل أصبح في نهاية الطريق، وعلى قطيعة مع الأجيال اللاحقة، ورغم شعوره وإحساسه بأن النهاية قريبة، فهو لا يرغب في التنحي لاعتقاده بأنه هو الجزائر والجزائريين والجزائر ستموت معه. أنظر مثلا إلى حالة الرئيس الحالي، هو في وضع كارثي، لكنه يرفض التنحي لجيل آخر، وكأن مصير الجزائر مرتبط به، هذه قمة الأنانية. أي انعكاسات لهذا الوضع على الجزائر والجزائريين؟ لقد أقصوا كل من لديه أفكار متحررة من هيمنة النظام، وأدخلوا الفساد، ورشوا النخب وصدّوا الطريق أمام ظهور نخبة سياسية جديدة قادرة على ملء الفراغ وطرح بدائل وعلاج الأمراض داخل المجتمع، لقد تحول الفرد الجزائري إلى البحث عن حلول فردية لمشاكله، ويسيّر وفق منطق "المهم تخطي راسي" هذا يؤدي حتما إلى انهيار النظام والدولة. النظام استطاع إعادة إنتاج نفسه، وفيه جيل جديد من الحكام يحمل نفس قيم "السيستام"، كيف تقول بنهاية النظام وخطر الانهيار؟ القيادات التي يقدمها النظام صغيرة السن، ولكنها قديمة التفكير، هذا أشبه بمجمع صناعي يقدم إنتاجا جديدا وفق تصميم قديم تجاوزه الزمن، والنتيجة كساده في السوق. وأحذّر أنه إذا فشلنا في الانتقال السياسي، وإذا نجح النظام البوتفليقي سنعود إلى فترة القابلية للاستعمار. أي خارطة طريق أو مخرج لنا من هذا السيناريو السوداوي؟ فيه رجال ونساء تمرّدوا على النظام، هم يحملون ضمير الجزائر، ويحاولون بناء طبقة سياسية واعية، وعبر عملية تربوية سيعيدون الاعتبار للعمل السياسي، وقيادة إخراج البلد من منطق جحا "تخطي راسي"، وتحويل الطاقات إلى عمل سياسي منتظم لتغيير الواقع وتحرير المواطن من كل العصبيات القبلية والجهوية، ثم أن مشاكل الجزائر تعنينا كلّنا كمواطنين ولا تحلّ عبر انتقادات الصالونات و المقاهي و الأرصفة. الجزائر: حاوره ف.جمال الأمين العام لحركة النهضة فاتح ربيعي ل "الخبر" النظام القائم لا يعترف بدورة الحياة الرئيس مريض وهو حال رئيس المجلس الشعبي الوطني وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين وقادة الجيش، ومع ذلك مازالوا متمسكين بالسلطة كيف تقرأ هذه الصورة ؟ بصرف النظر عن الجانب الإنساني ، إنها صورة بائسة لنظام مهترى متآكل لا يقدر القدرات الكامنة في المجتمع، عكس المجتمعات والأنظمة الغربية التي تجدد دماءها بصفة دورية، وتسلم الحكم لشباب في الخمسينيات من الأعمار، كما هو الحال في بريطانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. إن موقع المسؤولية يحتاج إلى قوة وطاقة ، والمسؤول يجب أن يكون في أوج طاقته، وإضافة إلى الكفاءة والعلم، هناك القدرة البدنية، ونحن نأسف بشدة لوضعنا هذا. هل تعتقد أن جيل الثورة القائم على الشرعية الثورية جاد في وعوده بتسليم السلطة، أم أن الأمر مجرد شعار للاستهلاك المناسباتي؟ نسمع بخطاب تسليم المشعل وخصوصا بمناسبة الحملات الانتخابية، والحديث عن تشبيب المؤسسات وتسليم المشعل وتجديد الدم في المؤسسات مجرد تسويق دعائي لا أثر له في الواقع. هناك ما يعرف بدورة الحياة على حد تعبير "حسين آيت احمد"، وهي تعني أن الإنسان لما يكبر تقلّ طاقته. والنظام القائم الحالي يرفض الاعتراف بهذه الدورة. في حين أن الدول التي تحترم نفسها تسعى للتجدد ودفق دماء جديدة، إنهم يعملون بقاعدة التجدد أو التبدد، ونحن في طريقنا إلى التبدد والزوال لأنه ليس لدينا القدرة على التجديد. النظام استطاع إعادة إنتاج نفسه، وتقديم نخب حاكمة تحمل نفس قيمه هذا يعاكس سيناريو التبدد والزوال؟ النظام عندنا يكتفي بتغيير جلده كالثعبان، دون إيمان بجدوى التغيير لسبب بسيط أنه لا يؤمن بالديمقراطية والتغيير، وهذا تكريس للفساد وقتل الطاقات والرداءة ومحاربة التجديد وغير المألوف. أي خارطة طريق يجب اتباعها ؟ لا سبيل لنا إلا السير على ما سارت عليه الشعوب و العمل بآليات تسليم ونقل المسؤوليات، من خلال تجدر الديمقراطية والتعددية والتنافس السلمي والتداول على الحكم وإعطاء الشعب حقه فيمن يحكمه، عندها يكون التجديد بشكل آلي وسلس. الآليات الديمقراطية هي الوحيدة القادرة على تحقيق الانتقال و التغيير. وللأسف ما زلنا نراوح مكاننا، ونوهم أنفسنا أننا نغير ولكننا أبعد من ذلك، نتحدث عن إصلاحات وفي الحقيقة هي مجرد مسرحيات وديكور وماكياج سرعان ما يزول مع مرور الوقت. الجزائر: حاوره ف.جمال عن الخبر