يبدو أن الإدارة الأمريكية قررت بعد طول تردد، أن تعود إلى الدفاتر القديمة للإدارات السابقة وأن تستخدم ذلك “الحل السحري” لمشاكلها في الشرق الأوسط وخاصة الصراع الذي تحول الآن إلى مجرد “خلافات في الرأي” أو حتى في الرؤى بين العرب و”الإسرائيليين” . والحل السحري هو أن تطلب الولاياتالمتحدة المساعدة من الأصدقاء العرب لإنقاذ سمعة الرئيس الأمريكي أولاً، ولإنقاذ حكومة بنيامين نتنياهو من الانهيار ثانياً، بعدما دخل الصدام بين الادارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية” إلى طريق مسدود حول اشتراط واشنطن وقف الاستيطان في القدسالمحتلة، للبدء في المفاوضات غير المباشرة التي كان قد أعلن عنها في الثالث من مارس/آذار الماضي، وجرى تجميدها أو تأجيلها بعد اعلان وزارة الداخلية “الإسرائيلية” قرار بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدسالمحتلة . وصول الصدام حول مسألة تجميد المستوطنات إلى طريق مسدود بين الرئيس أوباما ونتنياهو أدى إلى حدوث مواجهات غير مسبوقة من جانب الطرفين، تجاوز فيها “الإسرائيليون” كل ما يمكن أن يوصف بالخطوط الحمر في انتقادات مسيئة ومهينة للرئيس الأمريكي على لسان بعض الوزراء “الإسرائيليين”، وإصرار كل من أوباما ونتنياهو على عدم التراجع عن مواقفهما خصوصاً بعدما اعتبر نتنياهو أن البناء في القدس كالبناء في تل أبيب، واعتباره أن القدس “هي عاصمة “إسرائيل” الأبدية” . هذا الصدام كان لا بد له من مخرج، حفاظاً على مكانة أوباما التي هي من كرامة ومكانة الولاياتالمتحدة من ناحية، وحفاظاً على تماسك الحكومة “الإسرائيلية” وعدم انفراطها من ناحية أخرى، بعد أن أكد نتنياهو لكبار المسؤولين الأمريكيين أن التراجع عن قرار التوسع الاستيطاني في القدس سيؤدي إلى انهيار الائتلاف الحكومي وسيطرة الأكثر تشدداً على أي حكومة “إسرائيلية” جديدة . اللافت أن “الحل السحري”” للأزمة الأمريكية “الإسرائيلية” لم يلجأ إليه الأمريكيون فقط بل لجأ إليه نتنياهو أيضاً، وهذا تطور جديد وخطير في مسار ما كان يسمى بالصراع العربي الصهيوني، لم يلجأ الأمريكيون وحدهم إلى العرب طلباً للمساعدة والإنقاذ، بأن يبادروا بتقديم التنازلات الخاصة بالتراجع عن شرط وقف الاستيطان، بل لجأ “الإسرائيليون” أيضاً للعرب على أن يحملوا هم عبء إنقاذ الموقف، وقبول العودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” عبر الوسيط الأمريكي من دون تقيد بشرط إعلان الحكومة “الإسرائيلية” قراراً يقضي بوقف الاستيطان في القدس . ولتخفيف عبء الضغوط على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، قبلت لجنة المتابعة العربية أن تتحمل هي المسؤولية، وتعلن الموافقة على عودة الفلسطينيين إلى القبول بالتفاوض غير المباشر . وفي محاولة لتجميل هذا الموقف العربي، كان الحرص على إظهارها على أنها مبادرة عربية خالصة، وأنها مبادرة مشروطة بأن تبقى غير مباشرة انتظاراً لقرار عربي، والأهم أنها جاءت استجابة لجدية ملحوظة في الموقف الأمريكي، وأنها فرصة تعطى للجانب الأمريكي وليس للجانب “الإسرائيلي”، كما أنها جاءت ضمن تعهدات أمريكية جديدة . أهم ما في هذه التفسيرات العربية مسألة التعهدات الأمريكية التي تحولت إلى “لغز غامض” يبدو أن المسؤولين في لجنة المتابعة حريصون على عدم تداوله على مستوى الرأي العام العربي لأسباب تخص هؤلاء المسؤولين، قد يكون لإدراكهم لكونها لا ترقى إلى مستوى العهود، أو لتشككهم في جديتها، أو حرصاً على تمرير تنازلهم للأمريكيين و”الإسرائيليين” تحت وهم أن هناك “صفقة مغرية” جوهرها هذه التعهدات . لكن لسوء حظ هؤلاء فإن الصحافة “الإسرائيلية” والأمريكية والبريطانية كشفت حقيقة هذه التعهدات التي لا تعدو أن تكون مجرد غطاء لتمرير الخضوع العربي للضغوط وليس المطالب الأمريكية و”الإسرائيلية” . أما التعهدات الأمريكية “اللغز” فقد كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أبرز ما فيها، حيث أشارت إلى أن ديفيد هيل نائب المبعوث الأمريكي جورج ميتشل أبلغ محمود عباس أن أوباما يريد أن يرى عملية السلام تتحرك إلى الأمام مع بدء المحادثات غير المباشرة، وأن واشنطن تتفهم أن هناك عقبات، ووصف المستوطنات بأنها “استفزازية” وأن أحد المشاريع الاستيطانية في “رامات شلومو” (بالقدسالشرقية) لن يمضي قدماً على الأقل في الوقت الراهن، والأهم ان واشنطن تدرس فكرة السماح لمجلس الأمن الدولي بإدانة “إسرائيل” في حال قامت بنشاطات استفزازية، وفي حال ما استمرت المماطلة في العملية السياسية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” حتى الخريف المقبل، فإنه سيعقد مؤتمر سلام دولي . تعهدات مخادعة لكنها كانت كافية عربياً لقبول تسويق التصالح الأمريكي، بأثمان عربية .