تسلم أمير اللواء محمد الصالح حامدي من الرئيس التونسي المؤقت الثلاثاء منصبه رئيسا لأركان جيش البر في بلاده خلفا للفريق الأول المنسحب رشيد عمار.ويأتي تعيين اللواء الحامدي بعد نحو اسبوعين على تقديم رشيد عمار طلبا لإعفائه من مهامه، وفي وقت ترتفع فيه اصوات التونسيين داعية الجيش التونسي للاقتداء بنظيره المصري والتحرك لإعادة تصحيح مسار الثورة التونسية التي يقولون إن الإسلاميين قد اختطفوها في اتجاه اسلمة الدولة والمجتمع التونسيين. وتنظر حركة النهضة الإسلامية التي تحكم في الظاهر بتحالف ثلاثي مع حزبين علمانيين، مكنها بالفعل من تمرير مخططها لمحاولة السيطرة على تونس، بعين الريبة للقائد العسكري الجديد الذي سيكون مطالبا باستعادة هيبة جيش اسهمت الحركة الإسلامية بشكل مباشر في إضعافه وتعريضه لمخاطر إرهابية جمة. وتخشى النهضة من أن يكون أمير اللواء الحامدي نسخة تونسية من "سيسي" مصر مثلما جاءت "تمرد" تونس تيمنا بنظيرتها هناك. وحيت المعارضة التونسية ذات الميول الليبرالية في مجملها، الخطوة التي أقدم عليها الجيش المصري بالاستجابة لنداء شعبه وتخليصه من خطر إخواني بدأ يحدق بالبلاد بعد أن شرع الإخوان في برنامج للسيطرة على الإعلام والقضاء وكل مفاصل الدولة في ظرف وجيز لم يتعد السنة. وأطلق شباب تونسيون غاضبون من سياسة حكومة النهضة حركة "تمرد" مماثلة للحركة التي أججت الشارع المصري ضد حكم الإخوان والتي اسهمت بشكل مباشر في إقدام الجيش المصري على عزل الرئيس الإخواني وتصحيح مسار الثورة المصرية. وتعمل "تمرد" تونس على حشد الشارع التونسي من أجل إسقاط المجلس التأسيسي (الذي يقوم بدور البرلمان)، أداة النهضة (أحد فروع حركة الإخوان المسلمين العالمية) الرئيسية في مشروعها لأسلمة المجتمع التونسي وضرب مكاسبه الاجتماعية وتعددية مكوناته الثقافية. ودعت أحزاب تونسية معارضة منها حزب نداء تونس بزعمة رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي وحزب الجبهة الشعبية بقيادة حمة الهمامي إلى "إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني" وإلى "حل المجلس التأسيسي" الذي تعثر كثيرا في صياغة دستور مدني يحظى بتوافق الفاعلين السياسيين. وتعتقد القوى المعارضة في تونس أن الجيش التونسي لن يكون أقل وطنية من الجيش المصري في حال ما خرج الشارع مرة أخرى للمطالبة بتغيير نظام لا يختلف في شيء عن نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي ازاحته من الحكم احتجاجات ضخمة في 14 يناير 2011. وفى كلمة توجه بها إلى الضباط وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة التونسية على هامش تنصيب اللواء الحامدي، ابرز الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي دور المؤسسة العسكرية في ترسيخ قيم الجمهورية وتشبعها بمبادئ الوطنية والتزامها بعقيدة الولاء للوطن وللشرعية المنبثقة من إرادة الشعب والناي عن السياسة وتجاذبانها. لكن المعارضة التونسية تؤكد على أن "الوضع في تونس هو نفس الوضع في مصر قبل الإطاحة بنظام الإخوان" لذلك لا بد من "تصحيح المسار الثوري من خلال حزمة من الإجراءات العملية في مقدمتها تشكيل حكومة إنقاذ وطني وحل المجلس التأسيسي ووضع خارطة طريق جديدة تشارك فيها جميع الأحزاب لإخراج البلاد من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها". وترى قيادات المعارضة أن الجيش التونسي ملزم بالولاء لتونس وليس لسياسات فئوية تقسم البلاد إلى قسمين. ويرى هؤلاء أن مفهوم الشرعية الفضفاض الذي تتدعيه الحكومة التونسية الحالية لنفسها كان قد سقط اصلا منذ 23 اكتوبر 2012 بعد أن اخل الثلاثي الحاكم بتعهد قطعه على نفسه بألا تتجاوز فترة حكمه فترة السنة الواحدة وهاهو اليوم يقارب على إنهاء سنته الثانية بينما البلاد تغرق في ازمة عامة ليست لها حدود. ووفقا لنفس الاطراف فإن الجيش التونسي هول أول من اكتوى بنار ضعف هذه الحكومة وتخليها عن واجباتها في حماية التونسيين بالتساهل مع الإرهابيين والسماح لهم بالنشاط والتحرك بكل حرية. بل إن حزب حركة النهضة أحد اهم اركان الحكومة ظل إلى آخر لحظة يعبر على لسان زعيمه راشد الغنوشي عن رفضه لأي تضييقات على نشاطات السلفيين حتى الجهاديين منهم إلى أن حصل ما حصل من أحداث في جبل الشعانبي التي خرج منها الجيش التونسي بعدد من الخسائر البشرية في صفوف عناصره الذي ذهبت للتصدي للعناصر الإرهابية هناك. ويهمس بعض الخبراء التونسيين في الشؤون العسكرية بان الجنرال رشيد عمار لم يغادر الجيش التونسي من تلقاء نفسه كما كان يعتقد ولكنه خرج تحت وابل من الضغوط التي فرضت عليه من المؤسسة العسكرية نفسها. ورجحت المعارضة التونسية للوهلة الاولى أن رشيد عمار قد يكون تعرض لضغوطات من النهضة وحلفائها حتى يترك مكانه لأحد حلفائها داخل القيادة العسكرية، لكن الخبراء يقولون إن قيادات الصف الاول في الجيش التونسي الغاضبة من تلك الصورة المهزوزة التي ظهر عليها الجيش التونسي بأدائه في حرب الشعانبي هي التي عجلت برحيل الجنرال رشيد عمار الذي أحس بأن الغضب موجه اليه رأسا باعتباره المسؤول الأول عما آل اليه الوضع. ويرى هؤلاء الخبراء أن اللواء الحامدي الذي يحظى بثقة زملائه في القيادة العسكرية قد يكون حصل على "الكارت بلانش" لإعادة ترتيب بيت المؤسسة العسكرية والعمل على استرجاع هيبتها امام الإرهابيين وذلك بتقوية أداء الجنود، ولكن قبل ذلك بتجفيف الساحة السياسية من كل القواعد الخلفية التي يتمترس خلفها الإرهابيون مادية كانت أو قوى سياسية تسعى دائما لأن تجد لهم المبررات لأفعالهم. واللواء الحامدي من أبرز الخبرات العسكرية في الجيش التونسي، وهو خريج الأكاديمية العسكرية وأجرى دورات في المدرسة الحربية بتونس ومعهد الدفاع الوطني ومدرسة الأركان في الولاياتالمتحدة، وتدرج في المهام والخطط العسكرية أبرزها قيادة "طلائع الكومندوس" وهي من الوحدات العسكرية الخاصة. ويواجه قائد أركان جيش البر الجديد تحديات كبيرة على المستوى العسكري والأمني بخاصة في ما يتعلق بمواجهة الإرهاب وملاحقة بقايا المجموعات المسلحة في المناطق الجبلية المحاذية للجزائر غرب البلاد، إضافة إلى مكافحة تهريب الاسلحة والمقاتلين عبر الحدود التونسية الجزائرية والتونسية الليبية. ويعتقد مراقبون أن القائد العسكري الجديد لن يضع أمامه أي خط أحمر أمام رغبته في إنقاذ الجيش التونسي من حالة الإرهاق والتفكك التي ألمت به منذ أكثر من سنتين، وذلك بتأمين الوضع الامني في تونسي إلى أقصى حد أولا، قبل العودة إلى ثكناته التي غادرها منذ اكثر من سنتين. وفي وقت سابق قال بعض قيادات حركة النهضة إنه من الصعب أن يتكرر السيناريو المصري في تونس، لكن هؤلاء المراقبون يؤكدون أن استشراف المستقبل وخاصة القريب منه في واقع عربي يتسم بالحيوية وسرعة التغير فيه المبني على عامل المفاجاة والتدخل الاجنبي يجعل من غير المستبعد أبدا تكرار التجربة المصرية في تونس لأنه وعلى عكس ما يروج قادة النهضة فإن الوضع في تونس مشابه تماما لما وقع في مصر قبل رحيل مرسي. ميدل إيست أونلاين