مصر دولة عربية، أو الأصح ناطقة بالعربية، (لأن المصريين قالوا عن أنفسهم عقب المواجهة الأخيرة بأنهم فراعنة وأبناء حضارة عظيمة، فرد عليهم الجزائريون بأنهم من أصول بربرية وأبناء حضارة أيضاً لاحظوا أن الجانبين لم يتفاخرا بانتمائهم العربي)،والجزائر أيضاً دولة "عربية".مصر دولة مسلمة سنية تدين بالإسلام، (يعني ليست شيعية حتى نتفهم جانباً مصر دولة مسلمة سنية تدين بالإسلام، (يعني ليست شيعية حتى نتفهم جانباً من أسباب وخفايا ذاك الصراع)، وإسلامية جداً، ويسيطر الأخوان المسلمون على نحو 20% من برلمانها تقريباً 88 عضواً، أي حوالي خُمْسه، والجزائر أيضاً دولة إسلامية، وحين جرت الانتخابات التشريعية الجزائرية في ديسمبر/ كانون أول من العام 1991 اكتسحت، أيضاً، جبهة إنقاذ عباسي مدني ، وعلي بلحاج الإخوانية الانتخابات، ما اضطر الجنرالات للتدخل لإلغائها، والشارع الجزائري شارع مسلم أيضاً، عن بكرة أمه وأبيه. مصر جمهورية تحكمها إدارة عسكرية وأمنية، والجزائر أيضاً جمهورية تحكمها إدارة عسكرية وأمنية، ولا تهم ها هنا "الهوية المدنية" الرئيس بوتفليقة الصورية، مصر دولة إفريقية شمالية، والجزائر دولة إفريقية شمالية، ويجمعهما إن لم يخني الظن، الاتحاد الإفريقي الذي يتزعمه إمام المسلمين، وعميد حكام إفريقيا، العقيد معمر القذافي، الذي يصرح دائماً في لقاءاته الإعلامية بأن الجماهير تحكم نفسها في ليبيا ولا يوجد سلطات جاكمة في البلد. ومصر دولة متوسطية، أي تقع على البحر الأبيض المتوسط، وتحاذيها تماماً وعلى نفس خط العرض الجزائر أيضاً التي هي دولة متوسطية وتجمعهما، أيضاً، إن لم يخب ظني، منظمة إقليمية تعنى بالشراكة المتوسطية، العادات العربية والإسلامية تسيطر على الشارع المصري، بنفس القدر الذي تسيطر فيه العادات العربية والإسلامية، كما الخطاب ومضاعفات ما يسمى بالصحوة الإسلامية، وإن كانت مصر تفخر في زمن الصحو بأنها قد أطلقت هديتها الاستثنائية الفريدة للعالمين العربي والإسلامي، وذلك حين أفتى الشيخ عزت عطية، رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين السابق في جامعة الأزهر(عزل لاحقاً)، فتوى إرضاع الكبير، فإنه يحق للجزائر أيضاً أن تفخر بأنها كانت أول من طبق تلك الفتوى، حين دعا أحد المتأسلمين الجزائريين زوجته لإرضاع صديقه كي يتمكن الأخير من قضاء رمضان معهما "بحرية"، كما راجت الأنباء في حينه سيدة جزائرية من أن زوجها، الذي وصفته أنه "متدين ملتزم"، طلب منها "إرضاع" صديقه "المتدين أيضاً"، حتى يتمكن الأخير من قضاء شهر رمضان في بيتهما والإفطار معهما، وكانت السيدة قد أشارت إلى أن زوجها هدّدها بتطليقها، إن لم تمتثل وتنفّذ أمره، وفق ما كشف الشيخ شمس الدين بوروبي، وهو أحد أشهر رجال الإفتاء في الجزائر، لصحيفة "السياسة" الكويتية الأحد 23-9-2007 أي أن البنية العقلية والتركيبة الثقافية والمنظومة السلوكية والفقهية للشعبين "الشقيقين"، متقاربة، أن لم تكن متطابقة جداً (فماذا يريد القوميون العرب أكثر من ذلك؟). ومصر عضو مؤسس وحاضن للجامعة العربية، والجزائر عضو لاحق، وأصيل، في تلك الجامعة العربية الغرائبية التي تجمع النقائض، ويتفاخر المصريون بتاريخهم العربي والإسلامي، بنفس القدر الذي يتفاخر فيه الجزائريون بتاريخهم العربي والإسلامي، وتجتمع مصر والجزائر في أكثر من اتفاقية عربية كمعاهدة الدفاع العربي المشترك، مصر تنتمي وتمتد على أرض عربية وإلى المنظومة الجغرافية المسماة بالوطن العربي، وكذلك الجزائر تمتد على نفس الأرض التي تفصلها الجماهيرية الليبية فقط، عن مصر، وثمة كثير من القواسم والمشتركات الأخرى التي توحد بين الشعبين والبلدين، ولكن ما حصل مؤخراً عقب مباراة الحسم في الخرطوم بين مصر والجزائر، يظهر أن كلاً من الشعبين، يكن ضغائن لا حدود لها للشعب الآخر، وكل منهما ينتمي إلى قارة، وربما إلى مجرة مختلفة، وإن جمْعهما، مع بعض قد يكون، ربما، أصعب من جمع الماء والنار، أو بوش مع صدام. لقد دأب فرسان التنظير القومي على ترويج فرضيات طوباوية جاهزة وسريعة، لكن من الصعب التحقق من برهانيتها وصدقيتها وقد صدمت وأطاحت مباراة البلدين الأخيرة بها كلها وقوضتها من أساسها، كتلك التي تزعم على أن مجرد توفر عوامل الوحدة العربية كاللغة والتاريخ المشترك والدين والأرض، فإن الوحدة العربية المنشودة ستكون محققة وناجزة، ونعتقد أنه في ضوء الأحداث الدموية الأخيرة، فإن حلم الوحدة، الذي كان متوقعاً، وعلى نحو افتراضي، خلال المائتي عام المقبلة قد يتأخر، الآن، لمدة خمسمائة عام آخرى، في ضوء ما رأينا من حقد وغل وتنافر وتباعد وتباغض بين "أبناء الأمة الواحدة"، وأن الجروح التي انفتحت مع تلك المواجهة الرياضية قد لا تندمل بسهولة، وأن العطالة القُطْرية والشوفينية الوطنية والتعصب الذاتي والمناطقي الذي أبداه المشجعون على ضفتي المواجهة، وما زالت القبلية السياسية وتغليب نزعة وقرابة الدم والقبلية، فوق أي اعتبار، وهي مقدمة على ما سواها من اعتبارات. وقد تمر قرون طويلة قبل أن يختفي وهجها وتدرك الشعوب أهمية التقائها وتوحدها، وأن ثقافة الاجتماع ما زالت ضعيفة أمام ثقافة التشرذم والتحزب الانقسام، ولن نتكلم هنا عن الغياب التام للأخلاقيات الفردية البسيطة وأدنى متطلبات الروح الرياضية المطلوبة لدى فريقين رياضيين، مع مشجعيهم، وإذا كان هناك شبه انعدام لأي وعي حضاري ودبلوماسي وأدبي لدى المشجعين وال Fans من الجانبين، فما هو سر غيابه أيضاً لدى النخب السياسية والقيادية وعلية القوم في البلدين "غيرالشقيقين"، طبعاً، حالياً؟ وإذا كنا نتهم، ونعلق كل خيباتنا وفشلنا ونكساتنا على الإمبريالية والاستعمار والصهيونية، وتحميلهما سبب ذلك كله، فأين هو الحضور الإمبريالي والصهيوني والاستعماري في مباراة ثنائية بين فريقين رياضيين؟ وإذا كان مجرد لقاء رياضي بريء وعابر قد أدى لمواجهة سياسية وإعلامية ومعركة مفتوحة وشرسة، وكشف مستور الأمة الواحدة، فماذا سيكون الحال في مناسبات وحالات أكثر حساسية ودقة من هذه؟ لاشك هناك حلقة مفقودة في همروجة الوحدة العربية، وهوة عميقة من الصعب جسرها بين هذه الحكومات كما الشعوب، والقضية ليست بتلك البساطة والاستسهال الذي صدعت رؤوس الجماهير العربية به، والأنكى من ذلك تسطيح المفهوم من قبل المنظرين القوميين، ويبدو أيضاً، أن هناك ثمة عوامل أخرى كثيرة، وكثيرة جداً، مطلوبة لإمكانية قيام وحدة عربية، يبدو أن القوميين العرب لا علاقة لهم بها، ولا يدركون أي منها، وقد يمر وقت طويل قبل أن يكتشفوها، بل ربما لا يستطيع العقل القومي تخيل أو تصور عامل واحد من عواملها في ضوء ضحالة وسطحية وهشاشة منطق ذاك الفكر.