أولا : العسكر المصرى حين إحتل مصر نشر فيها الفساد 1 جاءت الأنباء بخبر جديد عن الفساد الذى يجتاح مصر الآن ، وهو تخصيص لجان خاصة فى إمتحانات الثانوية العامة لأبناء ( اسياد البلد ) ليتمتعوا فيها بالغش كما يشاءون . كما جاءت الأخبار بتسريب أسئلة الامتحان لتصل للجميع على قدم المساواة ، وهنا نوع من العدالة فى الغش ، أو تعميم الفساد ليصل للجميع . ومن الطبيعى أن الاستبداد هو بؤرة الفساد ، ومهما رفع المستبد من شعارات للعدل فإن الاستبداد هو رأس الظلم والفساد . 2 فى أواخر حُكم العسكر الذين يحتلون مصر من عام 1952 ، وصل الفساد والاستبداد والظلم الى مستويات غير مسبوقة ، وفى النهاية إنهار النظام التعليمى فى مصر ، بإنهيار القيم العليا من العدل والشرف والأمانة والصدق والاحسان ، وحلّ محلها النفاق الذى يغطى أحيانا عورة الفساد . 3 فى بداية حكم العسكر فى عهد عبد الناصر كان الحرص على مجانية التعليم وعلى العدالة فى دخول الجامعة حسب المجموع ، والحرص فى عدم الغش فى الامتحانات ، فكانت حالات فردية ، ثم الحرص على تعيين أوائل الخريجين معيدين فى الجامعات أو فى السلك القضائى والدبلوماسى حسب التخصص . ولكن أبقى عبد الناصر نافذة للفساد ، هى فى القبول للكليات العسكرية وكلية الشرطة ، بما يسمى بكشف الهيئة ، أى إختبار للمتقدمين الذين يؤهلهم مجموعهم فى الثانوية . كانت هذه النافذة التى تسلل منها الفساد بالمحسوبية . وكانت نافذة هامة للعسكر حتى لا يتسلل للجيش أعداء الثورة . 4 فى عصر السادات بدأ التعليم الجامعى ( الخاص) لأولاد الأكابر لتؤهلهم لمناصب خاصة محجوزة لهم مقدما فى البنوك والشركات الكبرى وما يسمى بالوزارات السيادية التى يحتكرها ( الأسياد ) ،وبدأ توسيع نافذة الدخول بالواسطة الى الكليات العسكرية والشرطة ، لم يعد الأمر قاصرا على أبناء الاسياد الحكام بل وصل الى بيع الوساطات بالرشاوى، فمن يملك النفوذ يأخذ النقود . 5 ثم تعدى الأمر فى عصر مبارك فأصبح تجارة يتم فيها بيع النفوذ ، فالثرى يدخل ابنه كلية حربية أو كلية الشرطة إذا دفع مبلغ كذا للباشا فلان، وصارت هناك تسعيرة و( بورصة ) .ووصل الفساد الى سلك القضاء والنيابة فاصبح التعيين فيها قصرا على أبناء القضاة وأبناء الأكابر، وإنتحر بعض الخريجين المتفوقين لأنه تم رفضهم بغلظة وبتذكيرهم أن مستواهم الاجتماعى دون المستوى ، بل قالها وزيرسابق للعدل بأنه لا يصح أن يكون ابن الزبال قاضيا . وأعلن قاض قمىء فاسد بأنهم ( أسياد البلد ). وبهذا الفساد وصل القضاء المصرى الى الحضيض فى أحكامه القضائية ، وصار أى القضاء المصرى فضيحة عالمية . وليس عجيبا أن تتحول ( وزارة العدل ) الى وزارة للظلم ، فالفساد قادر على ذلك .! 6 ثم انتهى الأمر الآن بالحرص على أن يدخل أبناء الأسياد الكليات المحجوزة لهم بسلام آمنين فقد تم تجهيز لجان خاصة تقوم بتغشيشهم الاجابات دون إزعاج ،ودون إختلاط بأبناء الشعب العبيد . وربما يقوم المراقبون أنفسهم بكتابة الاجابات لهم ، ليوفروا على أبناء الأسياد عبء الكتابة ، لأن أبناء الأسياد قد لا يعرفون القراءة والكتابة .! ثانيا : ( من غشّنا .. فهو منّا ) 1 اصبح الغش فى الامتحانات ثقافة إجتماعية ، الطالب فى المدارس والجامعات يتلقى دروسا خصوصية كى ينجح بالغش . لجان الإمتحانات فى الشهادات العامة خصوصا فى الأرياف يتعاون أولياء الأمور فى رشوة أعضاء اللجان لتغشيش ابنائهم . المدارس اصبحت فى ايام الدراسة خاوية لأن التلاميذ والطلبة يحضرون الدروس الخصوصية ليضمنوا النجاح . أولياء الأمور يعلمون أن التعليم لم يعد مُجديا ، وأن عصر تعيين الخريجين لآبناء الفقراء و الطبقة الوسطى قد ولى واندثر ، وأن التعيين فى المناصب العليا هو فقط لآبناء الأسياد والمليونيرات الذين لا يحتاجون أصلا لمرتب الوظيفة ولكن للحصول على مزيد من الثروة والسلطة . ولكن أبناء الفقراء والطبقة الوسطى يريدون مجرد الشهادة الجامعية ، وبأى ثمن ، أى بالغش ، من يدرى فربما بهذه الورقة يمكن أن يجد عملا فى الخليج .!. 2 لم يسال أحدهم نفسه عن هذا الذى يتخرج بالغش طبيبا كم سيكون عدد ضحاياه ، وهذا الذى يتخرج بالغش مهندسا كم عمارة ستسقط على يديه ؟ وهذا الخريج الذى يتخرج بالغش موظفا أو مدرسا كم سيفسد فى الأرض ؟ 3 دين الغش أصل فى الاستبداد ، فالغش لا يختلف عن تزوير الانتخابات و ( تسويد ) اللجان الانتخابية باسماء المتوفين ، وتسديدها لصالح فلان . الغش السياسى يمتد الى الغش التجارى فى السلع وحتى فى ذبح الحمير وبيع اللحوم الفاسدة ولحوم الخنازير على أنها لحوم بلدية ، ولا تفترق عن غش الدواء ، وخداع المرضى وإستنزاف أموالهم ، ثم لا يختلف عن الغش فى تصريحات المسئولين الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا ، ولا يفترق عن أكاذيب الاعلام الرسمى الذى يجاهر بالكذب والتضليل دون ذرة من خجل . هؤلاء هم كانوا تلاميذ نجحوا بالغش ، ووصلوا الى مناصبهم بالواسطة . وصلوا بالفساد وهم الآن ينشرون الفساد . وقد تحول هذا الفساد الى سرطان يهدد باهلاك هذا الجيل من الداخل ، حتى بدون غزو خارجى .. ثالثا : العلاج 1 دين الغش ( إجتماعيا ) هو إفراز للدين الأرضى المتسيد فى مصر . كل الأديان الأرضية أديان مغشوشة . رجال الدين فيها يزعمون بالكذب والتزوير والافتراء والغش أنهم واسطة بين رب العزة جل وعلا والناس ، وأن دخول الجنة لا يكون إلا عن طريقهم وبوساطتهم وشفاعتهم ، ويجعلون اليوم الآخر مثل ما يحدث الآن من وساطات ورشاوى وغش . وقد أسّسوا على الغش والتزوير والبهتان أديانهم ، بأقاويل وأحاديث وخرافات يزعمونها وحيا إلاهيا ، ينسبونه تارة لرب العزة وتارة للنبى محمد أو المسيح أو بوذا ..الخ .لا فارق هنا بين أديان السُّنة والتشيع والتصوف والكاثولوكية والبروتستانتية والارثوذكسية والبوذية ..الخ . 2 ولنتذكر قول الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) البقرة ) . هنا أمر للذين آمنوا بالقرآن او الذين يزعمون الايمان بالقرآن أن ينفقوا من أموالهم فى سبيل الله جل وعلا . والانفاق فى سبيل الله جل وعلا له وجهان : إنفاق فى التعريف بالاسلام الذى أصبح مهجورا ، وإنفاق فى رعاية الفقراء والمساكين وابناء السبيل واليتامى وسائر المستحقين . ويأتى التحذير للمؤمنين من يوم الدين المختلف عن يوم الدنيا ، فإذا كان فى يوم الدنيا بيع ووساطات و( خُلّة ) (أى عشان خاطر فلان ) وشفاعة ، ( كقولهم بحق جاه النبى وليس للنبى أى جاه يوم القيامة ) فليس فى يوم الحساب بيع ولا خُلّة ولا شفاعة . ثم تنتهى الآية الكريمة بهذه الحقيقة (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) ، يعنى أنه بغض النظر عمّن يزعم الايمان فإن الكافر هو الظالم مهما تقمّص دور المؤمن وتزيّا بزى الايمان لو كان هناك زى للإيمان . بمعنى أن الآية الكريمة بدأت بخطاب الذين آمنوا خطابا مباشرا من رب العزة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) وأُختتمت الآية بتأكيد على معرفة الكافر بسلوكه الظالم: (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) . أما المؤمن بالنسبة للبشر فهو أيضا بعمله الظاهر وهو الانفاق فى سبيل الله جل وعلا . بهذا يمكن الاصلاح . بالتعرف وبتحديد الكافرين سلوكيا الظالمين وبالتعاون على نشر حقائق الاسلام من العدل والحرية الدينية المطلقة والديمقراطية المباشرة والتسامح والسلام والرحمة والتراحم وحقوق الانسان وكرامته . 3 لهذا نعيد التأكيد بأن الاصلاح يبدأ تشريعيا بالحرية فى الدين وليشمل السياسة والاقتصاد والاعلام والتعليم . ولأولئك الذين لديهم عُقدة نفسية من كلمة الاسلام نقول بدلا من كلمة الاسلام دعنا نعلن أن هدفنا هو تلك القيم العليا من العدل والحرية السياسية والحرية الدينية المطلقة والتسامح والسلام والرحمة والتراحم وحقوق الانسان وكرامته . هذه القيم العليا هى جوهر الاسلام وشريعته الحقة المهجورة ، وبغض النظر إذا وافقنا على هذا بعضهم أو خالفنا دعنا نناضل فى إرساء إصلاح مؤسس على هذه القيم العليا . أكثر من هذا ، كنت كتبت داعيا لجعل المواثيق الدولية لحقوق الانسان هى المصدر الوحيد للتشريع فى مصر وغيرها ، لأنها أقرب الكتابات البشرية للتشريعات القرآنية ، ثم إنها تحظى بالتوقيع عليها من معظم ما يسمى بدول العالم الاسلامى ، ثم إنها تُتيح للمجتمع الدولى ممثلا فى الأممالمتحدة المزيد من التدخل لحماية الضحايا ، ضحايا الاستبداد . 4 لقد تخلصت أوربا مبكرا من هذا الغش الدينى وحصرته فى الكنيسة وحظرت عليه التجول فى الشارع الأوربى ، وإنطلقت أوربا ثم أمريكاوكندا واستراليا واليابان تتعقل مصيرها وحياتها ، فرأت أن السلامة فى التمسك بقيم الصدق والأمانة والتسامح والعدل والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص ، وان يسير الانسان فى الأرض يكتشف ويخترع . وبهذا ساد الغرب وعاش دنياه بأقل قدر من المعاناة ( من منكم لا يتمنى أن يعيش فى كندا أو هولندة أو سويسرا أو ألمانيا أو النمسا أو أمريكا أو السويد والنرويج وفنلنده ؟ ) فيها السلام والوئام والعدل والحرية ، ولقد فتحوا بلادهم لهجرات ( السنيين ) فلوثوها وحاولوا ويحاولون إفسادها بدينهم السنى الفاسد . 5 لا يزال ( المسلمون ) اسرى لأديان مغشوشة من السُّنّة والتشيع والتصوف ، وقد تأسس عليها نظم حكم إستبدادية يتحول فيها الغش الدينى الكهنوتى الى غش سياسى ثم الى غش تعليمى وإجتماعى ، وينشأ فيها وعليها أجيال لا تعرف سوى الغش دينا ، به ينجحون فى التعليم الابتدائى ثم الاعدادى ثم الثانوى ثم فى الجامعة . وبالغش الواسطة يتم قضاء المصالح ، من تعيين لفلان ، وموافقة على صفقة لفلان، بل وسجن فلان وقتل فلان . أخيرا لأن حجم الفساد اصبح تنوء به الجبال فإن الاصلاح يأخذ وقتا وجهدا ، ولكن لا بد من التعجيل به ، ولا مفر منه ، فإما الاصلاح وأما الهلاك . والهلاك إما هلاك سريع بثورة جياع قادمة وحرب أهلية أو هلاك بالتقسيط .. غير المريح .!!