وصلت 108 مؤسّسة إعلاميّة في 78 بلدًا إلى كميّة من المعلومات غير المسبوقة وذلك بتنسيق من قبل جمعية الصحفيين الاستقصائيين. وتسلّط الوثائق الضوء على العالم الماليّ غير الشفّاف حيث شركات الأوفشور والملاذات الضريبيّة. وتأتي الوثائق ال 11.5 مليون من محفوظات مكتب المحاماة موساك فونسيكا في بنما، وهو متخصّص في تقديم خدمات توطين الشركات الأوفشور بين 1977 و2015. ويُعدّ هذا التسريب للمعلومات الأكبر في تاريخ الإعلاميّة. تكشف "وثائق بنما" النقاب عن آلاف الشركات المغفلة لعدد كبير من رؤساء دول كما عن لجوء شخصيات ملياردريّات وأسماء لامعة في الرياضة وشهيرة وشخصيّات تحت مجهر العقوبات الدوليّة إلى ترتيبات خارجيّة أوفشور بهدف إخفاء أصولهم. ما معنى شركة أوفشور Offshore (غير المقيمة)؟ تُطلق هذه التسمية على المؤسّسات المسجّلة في بلدان ذات سياسات ضريبيّة ضعيفة وأنظمة متساهلة على غرار جزر فرجن البريطانية وبنما وجزر سيشل. لا تقوم «شركات الأعمال الدوليّة» هذه «international business corporation» بأيّ نشاط اقتصاديّ حقيقيّ حيث هي مسجّلة. فهي بمثابة مجرّد "صَدفة" أو واجهة لأنشطة تجري في أماكن أخرى. وإضافة إلى الضريبة المنخفضة، تكمن قوّة جذب الدول التي تأوي شركات الأوفشور في سهولة تأسيس الشركات والتدقيق الضعيف في هويّة المستفيدين الحقيقيّين. كيف يتمّ تأسيس شركة أوفشور؟ يكون هناك عادةً وسطاء عديدون بين المستفيد الحقيقيّ من الشركة و الذي يؤسّس الشركة فعلاً. يمكن للمستفيد أن يلجأ إلى المصرف الذي يتعاون معه أو إلى مكتب محاماة متخصّص بالسياسات الضريبيّة لاختيار أفضل ملاذ ضريبيّ بحسب شروطه. يتواصل عندئذٍ الوسيط مع وكيل توطين الشركات فيهتمّ هذا الأخير بتفاصيل التسجيل لدى السلطات المعنيّة. ماذا تفيد شركة الأوفشور؟ 1- فتح حساب مصرفيّ تثبت فضيحة "وثائق بنما" أنّ النشاط الوحيد لعدد كبير من شركات الأوفشور المسجّلة من جانب شركة موساك فونسيكا هو فتح حساب مصرفيّ وإدارته. فبدل أن يفتح العملاء حسابات باسمهم مباشرة في مصرف في سويسرا أو لوكسمبورغ، يمرّون بوساطة شركة-واجهة يربطون بها حسابهم من دون ذكر اسمهم. وبالتاليّ، إنّ أهمّ فائدة لشركات الأوفشور هي عتامتها التي تسمح بحجب هويّة مالكي الشركة الحقيقيّين. يستخدم هذه الوسيلة بعض المتهرّبين من الضرائب الحريصين على تجنيب أصولهم الضريبة على الثروات أو التنازل عن حقوق الميراث للمتحدّرين منهم. 2- حيازة ممتلكات وعلى غرار ذلك، بدل شراء منزل أو يخت مباشرة باسمهم، يقدر العملاء أن يقوموا بذلك من خلال شركتهم الأوفشور لإخفاء هويّتهم. وإذا لم يلتزم الوسطاء الذين أسّسوا في البداية الشركة بكلّ مهامّهم في التدقيق، يمكن أن تفتح هذه العمليّة المجال أمام تبييض الأموال. وفي الإطار نفسه على سبيل المثال، قد يستفيد رجل سياسيّ فاسد من هذا الواقع فيحصل مقابل بعض الخدمات على فيلا في الخارج تملكها شركة أوفشور. 3- حماية الأصول في البلدان التي لا تنعم باسقرار سياسيّ أو اقتصاديّ، غالباً ما يلجأ بعض النخبويّين إلى شركات أوفشور مرتبطة بحسابات أخرى لحماية ثرواتهم من خطر المصادرات، أو تصفية حسابات في حالة التغيير السياسي. إذاً، ليس الهدف دائماً التهرّب من الضرائب. ولهذا السبب، يرد بين "وثائق بنما" الكثير من أولئك الذين يتبعون حكم القلّة وأعضاء رفيعة في الحزب الشيوعي الصيني كما العديد من قادة القارّات الخمس. كما تمثّل الأوفشور طريقة فاعلة للالتفاف على العقوبات الاقتصاديّة الدوليّة. 4- حماية الهويّة المجهولة تبحث الجهات الاقتصادية الفاعلة في شركات الأوفشور عن طريقة إخفاء هوية لا تضمنها قوانين الشركات في بلدانهم. فيتمكّن أيّ شخص متضرّر من حظر مصرفيّ من استحداث طريقة لإتمام عمليّات ماليّة، كما يمكن لأيّ مستثمر أن يستثمر بسريّة في رأسمال شركة أخرى. وعليه، يمكن لرجل أعمال ما ذي سمعة مشكوك فيها أن يحصد عقوداً في الخارج من دون أن يؤثّر اسمه سلباً على المفاوضات. 5- تطوير أنشطة في الخارج تلجأ بعض الشركات إلى الأوفشور لتسهيل وتعزيز أعمالها على المستوى الدوليّ. فبغية إنشاء عملياتها في جنوب شرق آسيا أو أفريقيا مثلاً، تستحدث بعض الشركات بشفافيّة كيانات أوفشور مع شركاء محليّين. وتسمح هذه التركيبات التي غالباً ما تكون قانونيّة بالاستفادة من الضرائب المنخفضة والبساطة التنظيمية للملاذات الضريبية. أين تقع المشكة؟ تسمح أكثريّة الدول استخدام الشركات الأوفشور. وفي بعض أبقاع العالم كآسيا وروسيا، يُعتبر الأمر عاديّاً. وفي فرنسا حيث السلطات أكثر حذراً، تُعتبر الشركات الأوفشور قانونيّة شرط الكشف عن الحساب المرتبط بالشركة. في الخلاصة، ليست شركة الأوفشور منافية للقانون بحدّ ذاتها ولكن يرتبط وضعها بالنشاطات المرفقة بها. وبالتالي، إنّ المشكلة مع الدول التي تأوي الأوفشور هي غياب المعرفة عمّا يدور في الشركة. فإنّ طبقات الحماية والعتامة في كيانات الأوفشور تحدّ من عمل القضاء والنظام الضريبيّ للوصول إلى الأموال المحجوبة عن الضرائب بطريقة غير شرعيّة والكشف عن حلقات الأموال المشبوهة.