أثار مقال (شوووت... الجماعة نائمة وزعيمها يحلم) صخبا لم يكن في الحسبان؛ ولا يفسره لا شكله الغريب ولا مضمونه العجيب. لكنها في الغالب زوبعة في فنجان؛ سرعان ما يشرب المعلقون الغاضبون قهوته الممزوجة بالفنوباربيتال فتهدأ أعصابهم، ثم ينامون وقد يحلمون. اضطرتني ظروف عائلية للسفر إلى مدينة ليل الفرنسية. وبينما كنت أتسكع عند باعة الكتب في وسط المدينة، وقع بصري على أكياس خضراء رسمت عليها بحروف كاليغرافية بيضاء مقولة تشي جيفارا (لنكن واقعيين: لنطالب بالمستحيل). استحسنت العبارة لسبب لا أتذكره، وقررت بعد تسلسل منطقي أستغربه، أن أفتتح بها مقالا مرتجلا أخيطه على قياس المدونة، سوق عكاظ لبيع وشراء الكلام المستعمل، وموقع (حيص بيص) لنشر الأخبار الجديدة والآراء القديمة. بالكاد عثرت على قلم أستعيره من زوجتي بعد أن هداها الله لحل الكلمات المسهمة والسودوكو، لكن لسوء حظي (ومن حسن طالع القراء)، لم أجد ورقا. تذكرت قراءات أيام المراهقة عن المعتقلين السياسيين، وراودتني فكرة الكتابة على ورق دورة المياه. لكن نفسي اشمأزت من الكتابة على ورق مترهل شككت في أنه سبق وأن استعمل. ثم اهتديت إلى الكتابة على ظهر كارتون شكولاتة بخط ميكروسكوبي استعصى علي فك طلاسيمه ساعة استنساخ المقال على برنامج معالجة النصوص. ولولا المشيئة الربانية، لكنت قد أقحمت عبارة (كوت دور) في سطر لا يعلمه إلا الله من سطور المقال المبعثرة. استقطب المقال السابق القراء لدرجة لم أكن لأتوقعها وانهالت علي محاكم التفتيش بالتهم الملفقة من كل حذب وصوب. اتهمني بعض الناس بالماركسية اللينينية، وبعضهم بالانتماء إلى جماعة العدل والإحسان، والبعض الآخر بالعمالة للصهاينة. ولولا دفاع الله الناس، لاتهمت باغتيال كينيدي والتسبب في إشعاعات فوكوشيما. وأنا من هذا وذاك براء، ولا أنتمي إلا لأمة لا إله إلا الله محمد رسول الله. اتهمت بأنني أستشهد بتشي جيفارا وأغلب كلامه على قرآن البارئ عز وجل وحديث الرسول (ص). هذا هراء خارق للعادة واستنتاج كاريكاتوري عشوائي يصعب التنبؤ به على نوسترادموس. ولكن لا تستغرب مادمت في المغرب بلاد العجائب. صحيح أن تشي جيفارا شخصية ثورية شقت تفاحة المؤرخين إلى نصفين. منهم من يراه نموذجا ثوريا فذا يستحق سرد حركاته وسكناته في كتب التاريخ والتبرك بأيقونته مطبوعة على قمصان وقبعات المراهقين. ومنهم من يعتبره إرهابيا خطيرا لا يرقى اسمه للذكر إلا في دفاتر الإنتربول وملفات المخابرات المركزية الأمريكية. ويرى فيه المعتدلون -وأعتبر نفسي واحدا منهم- شخصية تاريخية لها ما لها وعليها ما عليها، ولا تؤثر في مجرى حياتهم بقدر تأثير توم سويار أو السندباد البحري. قالوا هذا انحطاط فكري وأنتروبيا لغوية لم ينزل مستواهما لحد النشر في موقع (حيص بيص). بحثت عن اسمي بين كتاب الرأي، فوجدته صغيرا مستصغرا وقد أدرج قبل العقاد وتوفيق الحكيم وبعد طه حسين وأحمد أمين. ثم تذكرت أن الموقع لا ينشر إلا لكارل برنستين وبوب وودورد، وأنه في كل يوم مشغول بفضح ووترغيت جديدة. قالوا لا تدافع عن الجماعة ولا تنتقدها. ليس بيني وبينها إلا الخير والإحسان، فكيف لي بالدفاع عنها أو انتقادها. كان الحديث قد كثر في سوق عكاظ عن الجماعة وأحلام زعيمها، فقررت أن أرتجل مقالا ليس فيه من موضوع الرؤى والأحلام إلا العنوان، أستقطب به القراء: شق في القطب الشمالي وشق في القطب الجنوبي. ومن البديهي أن ما يكتبه "المتخصصون" عن الجماعة في أيامنا يستحيل تصنيفه في باب العلم اليقين كما يستعسر تبويبه في صنف كذب الشائعة المفتعلة. ولا داعي للخوض في حديث الصور التي تتصدر المقالات لأن اختيارها من اختصاص المسؤولين في حيص بيص، وقد يكون كتاب الرأي أول المستغربين منها. ثم انتقل المعلقون إلى أسلوب التخويف والتهويل برفع فزاعة تورا بورا وعار قندهار. وفي ذلك تسفيه لعقول المغاربة واستصغار لوعيهم السياسي، إذ كيف يتسنى لحكومة على شاكلة طالبان أن تحكم المغرب حتى في المنام؟! الكلام المتداول عن الجماعات في بلاد الإسلام وأنها وحدها تملك عصا سليمان لردع المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكن الحكومات تحجب عنها عقد العمل في الحقل السياسي...تصور فيه اختزال كبير للمسافات ومبالغة في قدرات الجماعات الفعلية وشعبيتها الحقيقية. أما قصائد الملحون في مدح أرشيف الأحزاب المغربية -بعد ضلوعها في سوء التدبير عن جهل وعن قصد وفي قضايا الفساد والضحك على ذقون العباد- فهو دفاع عن قضية خاسرة لا تتبناها حتى المقالات التافهة. وتذمر المعلقون من أسلوب الاجترار والتكرار في لحن البوسانوفا، وخرق قواعد البروتوكول والإيتيكيت في تأليف (ديزافنادو). ولا ضير في أن يتجاهلوا مقالات يقرؤونها على مضض، عناوينها تكذب محتواها وخواتمها تنفي مقدماتها. أعترف بأنني لا أنهك نفسي في مراجعة المقالات بعد كتابتها، كما لا أنتظر من القارئ أن يعاود قراءتها وأنصحه بأن ينساها. إنها مقالات أحادية الاستعمال للاستهلاك السريع؛ قد يتفق معي العدو قبل الحبيب في أنها تستحق الورق المكتوبة عليه. في الختام أسأل أتباع الجماعات ومريدي الأحزاب أن يدعو لرشيد بالمغفرة والرشاد، بدل أن يذيقوه من سلطات السب واللعن وألوان العذاب، لعل دعاءهم يكون من الدعاء المستجاب. http://gibraltarblues.blogspot.com