الجميع يعلم أن أى شخص يشارك فى العمل العام ، أين كان موقعه لا بد أن يوجد له ملف فى أمن الدولة قبل ثورة 25 يناير المجيده ، هذا الملف يحتوى على بياناته وجميع تحركاته وعلاقاته وفى بعض الأحيان يحتوى ملفه هذا بجانب المعلومات العامة على تسجيلات لجميع مكالماته أو اميلاته الشخصية ، وهذا الشىء كنت أعرفه تماما ، ونظرا لأننى من الأشخاص التى يوجد لها ملف وملف متخم داخل أمن الدولة بسبب مهنتى ، قررت ونظرا لأننا نعيش فى عهد الثورة المجيده التى أضاءت الطريق للجميع ومنحت الشعب المصرى حريته ، أن أقوم بسرد ما يحتويه هذا الملف من خلال التحدث عن عدد المرات التى دخلت فيها مبنى جهاز أمن الدولة . فأول دخول لى لمبنى أمن الدولة كان فى 1994 حينما كنت طالبا فى كلية التجارة جامعة أسيوط وكنت فى الفرقة الثانية ووقتها كنت أقطن بمنطقة تسمى بالتقسيم الأمريكانى وهى من المناطق الراقية جدا بمحافظة أسيوط ، وكان يقطن فى العمارة المواجه لى عميد شرطة وكان له أبن فى كلية صيدلية وكان صديق حميم لى ، يوميا يقف كلانا فى بلكونته لنتحدث سويا عن احوال الدراسة والكلية لم أرى والده إلا مرات قليلة فى البلكونة نظرا لأن كل ضباط الشرطة فى ذلك الوقت كانوا يعيشون هاجس الخوف ، نظرا للأحداث التى كانت تمر بها محافظة أسيوط فلا يمر يوما إلا وتجرى جرائم قتل لضباط شرطة من قبل الجماعات الأسلامية ، ولكننا لم نكن نهتم بهذا الأمر فكان همنا الأول والأخير فى الصباح هو دراستنا والتحدث مع الأصدقاء من الشباب والفتيات ، وبالليل الخروج للفسحة ومرت الأيام عاديه جدا الى أن وصلنا الى أمتحانات التيرم الثانى وفى هذا العام أصدر وزير التعليم قرارا بحساب التقدير العام للكلية ليس على السنه النهائية فقط كما كان قبل ذلك أنما من خلال أخذ متوسط الأربع سنوات وكنت فى التيرم الأول حاصل على تقدير جيد أما فى الفرقة الأولى حصلت على تقدير مقبول متميز أو كما كنا نقول وقتها ( مقبول عالى ) الى أن فوجئت بقوات من الشرطة تقوم بالطرق وبقوة على باب الشقة التى أقطن بها وبمجرد أن فتحت الباب فوجئت بأكثر من عشرين ضابط وأمين شرطة يملئون جنبات الشقة يفتشون فى كل مكان فى كتبى وكتب زملائى الذين يسكنون معى و تحت السراير وفى الدواليب والحمام يبحثون عن أشياء لا أعرفها فأتجهت الى بلكونة الشقة لأستنجد بصديقى محمد أبن العميد فإذا بى أنظر الى الشارع أسفل العمارة التى أقطنها فأجد جميع قاطنى العمارة وهم من طلبة محافظتى الأقصر وأسوان فى سيارة الأمن ومحمد صديقى أبن العميد بلكونته مغلقة على غير العاده ، وأذا بالضباط يأمروننا بالنزول معهم الى الشارع دون أن نعرف ما هو السبب وركبنا سيارة الترحيلات التى أتجهت بنا الى قسم أول ومكثنا بداخله يوم كامل دون أن يعرف أحدا منا وكنا 32 شاب السبب الحقيقى وراء ما يحدث ، وخرجنا من قسم اول الى قسم تانى ومكثنا أيضا يوم آخر حدث كل ذلك ونحن مبسوطين كما هو معروف عن شباب الأقصر وأسوان وأستطعنا أن نحول الزنزانة الى قفشات ونكت ولكن الشىء الوحيد الذى كان يقلقنا هو أن أمتحانات التيرم لم يتبقى عليها سوى يومين فكنا نصبر بعضنا البعض و نقول أكيد حيفرجوا عنا علشان الأمتحانات ، وفى اليوم الثالث وهو أتعس الأيام فى هذه الرحلة الغريبه فوجئنا بنقلنا ونحن معصى الأعين الى مبنى جهاز أمن الدولة باسيوط وما أدرك ما جهاز أمن دولة أسيوط فمرورنا أمامه وقتها كان يصيبنا بالرعب والهلع وقاموا بوضعنا فى حجرة منفصلة كنا نسمع صراخ المعذبين بآذننا فيتملكنا الخوف ولكن الشىء الوحيد الذى كان يطمئننا هو أننا كنا ننادى على بعضنا البعض ليتأكد كل منا بأن زميله الذى كان يقطن معه موجود بجواره أستمر تواجدنا داخل هذا المبنى المرعب أكثر من أربعة أيام كنا طيلة هذه الأيام لا نأكل ولا نشرب ولا ندخل حتى الحمام ، كما لم يوجه لنا أى شخص أى سؤال وحينما شعر بعض الأمناء الموجودين بالمبنى بأن الأعياء أصاب العديد منا ، جاءوا لنا بعلب بسكويت وطلبوا منا أن نشتريها منهم بالسعر الذى يحددونه هما كانت علبة البسكويت ب 2 جنيه فى ذلك الوقت ولكنهم أجبرونا على شرائها منهم بمبلغ عشرة جنيها ولا يستطيع أحد أن يتكلم لأن الجوع والعطش كاد يقتلنا ثم أتوا لنا بعلبة صفيح مليئة بالمياه وطلبوا منا أن نسكب أفواهنا فيها لكى نشرب بعدما وافقوا على إزالة الغطاء من على عيوننا وظللنا بهذا الوضع طيلة هذه المدة الى أن تم الأفراج عنا بعد أربعة أيام دون حتى نسأل نهائيا وللحقيقة حتى هذه اللحظة وبعد مرور كل هذه السنوات لا أعرف السبب الحقيقى وراء ما حدث لنا وفى اليوم الذى تم الأفراج عنا كان هو نفس يوم أمتحان المادة الثانية للتيرم الثانى فذهبنا الى سكننا وبتلقائية شديدة قمنا جميعا بحمل حقائبنا وركبنا القطار متجهين الى محافظاتنا تاركين باقى مواد التيرم الثانى فالحالة النفسية التى كنا فيها لا تسمح بأى شىء سوى الذهاب الى أهلنا لأنهم عرفوا بما حدث لنا وكانوا مشغولون جدا علينا ويبحثون عنا فى كل مكان وضاعت علينا السنه وكان الأمر بالنسبه لنا كارثيا فكلانا كان يحمل بداخله طموحا للحصول على تقدير وخاصة أنا فأخى محاسبا كبيرا فى بنك القاهرة وزوج أختى مراقب فى البنك الأهلى وأبن عمى مدير للبنك العربى الأفريقى أى معنى ذلك أن تعيينى فى البنك شىء سهل جدا ولكن لا بد من حصولى على تقدير جيد على أقل تقدير لأن البنوك الحكومية فى ذلك الوقت كانت ترفض تقدير مقبول وبمجرد أن أنتهت السنه لم أسئل على النتيجة وحينما مر العام وجاءت السنه التالية قررت أن أسافر الى جميع محافظات مصر حتى لا أتذكر أننى رسبت فى الدراسة فى هذا العام فلم أذهب الى الكلية نهائيا ولم أقم بتأجير سكن لى وذهبت فى موعد أمتحانات التيرم الثانى لأمتحان المواد التى رسبت فيها أو بمعنى أدق لم أحضرها من الأساس وأستطعت وبحمد الله النجاح فيها وفى الفرقة الثالثة والرابعة ذهبت أربعة مرات فقط الى محافظة أسيوط مرة لشراء الكتب ومرة للأمتحانات فلم يعد الأمر بالنسبه لى مهم فالمطلوب النجاح بعدما ضاع حلم التقدير وقد نجحت فى الفرقة الثالثة والرابعة دون الخروج بمادة واحده وبمجرد أن أنتهت الكلية أخذت أبحث عن فندق سياحى اعمل به كمحاسب ولكن حدثت كارثة الدير البحرى عام 1997 والتى راح ضحيتها عشرات السائحيين بسبب هجوم عناصر من الجماعات الأسلامية عليهم فتوقفت السياحة تماما ولم يكتب لى العمل فى السياحة بعد ذلك نهائيا الى اللقاء فى الحلقة القادمة الأنبا أمونيوس يدخلنى مقر أمن الدولة للمرة الثانية