عبد الفتاح الفاتحي: يتجدد اليوم اللغط الدبلوماسي والإعلامي بشأن "شرعية" تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوربي، التي ستنتهي صلاحيتها في 27 فبراير الجاري، ودخول الطرف المغربي والأوربي في جولة جديدة من المفاوضات وسط جدل أوربي ودولي بين مؤيد لتجديد التوقيع عليها ومعارض لها ومطالب بإلغاء الشواطئ الصحراوية منها.ترتفع حدة هذا الجدل في وقت تشهد فيه العاصمة البلجيكية بوركسيل اجتماع سفراء الدول السبعة والعشرين المكونة للاتحاد الأوروبي، والذين سيحسمون في إمكانية تمديد العمل باتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي. من بين السيناريوهات المتوقعة نزول إسبانيا بكامل قوتها للضغط على الاتحاد الأوربي لتجديد العمل بالاتفاقية لمدة سنة واحدة، حيث تشكل هذه الاتفاقية بالنسبة لها رهانا أساسيا لتجاوز الكثير من متاعبها الاقتصادية الداخلية. ويعد هذا السيناريو الأكثر رجحانا، حيث سبق لإسبانيا أن طالبت بتمديد الاتفاقية لمدة سنة واحدة لمناقشتها، بعدما تأكد وجود أصوات داخل الاتحاد الأوربي تطالب باستثناء مياه الصحراء من الاتفاقية بحجة "عدم التأكد من استفادة ساكنة هذه المناطق من عائدات الصيد". وأبلغت وزيرة الزراعة والصيد البحري والوسط القروي الإسبانية روسا أغيلار، المفوضة الأوروبية، ماريا دامنكي تأييد تجديد الاتفاقية دون تعديل أي من دون استثناء مياه الصحراء من الاتفاقية. وقد دأبت الجزائر والبوليساريو عند مثل هذه المناسبة تحريك آلتها الإعلامية والدبلوماسية للمطالبة بإلغاء الاتفاقية بدعوى أنها غير شرعية ومخالفة للأعراف الدولية لكون بنودها تشمل الشواطئ الصحراوية المتنازع عليها. ويزداد ضغط الجزائر والبوليساريو في الوقت التي طالب فيه الإتحاد الأوربي من المغرب توضيحات بشأن مدى صرفه لجزء من عائدات الاتفاقية على الأقاليم الجنوبية، وبعد ارتفاع أصوات أوربية يمينية تطالب باستثناء الشواطئ الصحراوية من الاتفاقية، على اعتبار أن هذه الأقاليم محط نزاع معروض على المنتظم الدولي. السيناريو الثاني يقول بتجديد التوقيع على الاتفاقية في صيغتها القديمة بعد أن يأخذ الاتحاد الأوربي تعهدات جديدة على المغرب بشأن خلق المزيد من فرص التنمية في الأقاليم الصحراوية. قوة هذا السيناريو تجد مبرراتها في دعوة المفوض الأوروبي لشؤون التوسيع "ستيفان فول" مؤخرا بالرباط؛ المغرب إلى الحرص على توزيع مكاسب التنمية الاقتصادية على كل الشعب المغربي. وجاء ذلك قبل انطلاق اجتماع بروكسيل حول اتفاقية الصيد البحري بيومين. كما دعا المغرب في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري، إلى اجتثاث الفقر وتسريع مبادرات التنمية الاجتماعية والإصلاحات الديمقراطية وحرية التعبير وإصلاح القضاء. وعلى الرغم من قوة ضغط الأصوات المعارضة للاتفاقية، فإن المغرب بإمكانه كسب نتائج المفاوضات في بروكسيل بفضل نقط القوة التي راكمها مؤخرا مع الاتحاد الأوربي حيث وقع الطرفين على ثلاثة اتفاقيات، منها اتفاقية المنتوجات الفلاحية، حيث تعد اتفاقية الصيد البحري جزء منها. إن تحليل مضمون وثائق وتصريحات مسؤولي جبهة البوليساريو يلفيها متناقضة على مستوى طبيعة الأدلة التي تعتمدها في مرافعاتها حول اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوربي والمغرب، فهي من جهة كانت تصف الاتفاقية باللاشرعية واللاقانونية، لأنها بحسبها مخالفة للأعراف الدولية. أما اليوم فهي تدعو الاتحاد الأوربي إلى عدم تجديد توقيع الاتفاقية مع المغرب، طالما أن هذا الأخير لم يصرف جزء من عائدات الاتفاقية على سكان الصحراء. إن تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، التي ستعرض في شهر غشت المقبل على البرلمان الأوروبي من أجل التصويت على تجديدها تبقى مجحفة من الناحية الاقتصادية في حق المغرب إلا أن اشتمالها على شواطئ الأقاليم الجنوبية يعد ورقة سياسية تقوي الموقف المغربي التفاوضي في المفاوضات غير الرسمية في شهر مارس المقبل، في حين تكبح صوت جبهة البوليساريو. وتبقى قيمة هذا الاعتراف الضمني معززة لسيادة المغرب على الصحراء غداة إجماع فقهاء القانون الدولي والمصالح القانونية التابعة للاتحاد الأوروبي، على أن اتفاقية الصيد الموقعة بين المغرب والإتحاد الأوربي لا تتعارض مطلقا مع القانون الدولي. وبناء على تحليل المعطيات المتوافرة والظروف التي تجرى فيها مفاوضات تجديد التوقيع على الاتفاقية فإنها تبقى في صالح المغرب، وتؤشر على أن الاتحاد الأوربي ماض نحو تجديد الاتفاقية في ظل إكراهات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا، وبعد عودة الدفء إلى علاقات المغرب بالإتحاد الأوربي بعد أحداث العيون. تحليل يتأكد بطبيعة النقاش الدائر لدى الأوروبيين اليوم حول الاتفاقية، حيث لا يتطرق سوى إلى مدى التزام المغرب بصرف جزء من عائدات الاتفاقية على المناطق الجنوبية، وهو الالتزام الذي يُصَرِّفه المغرب بما لا يمس رمزية سيادته على الأقاليم الجنوبية، إلا أن الاختلاف حول رؤية الطرف المغربي والأوربي، ليس بإمكانه الدفع في اتجاه إلغاء الاتفاقية لأهميتها الاقتصادية بالنسبة لعدد من الدول الأوربية التي تعاني اليوم من أزمة اقتصادية خانقة. إضافة إلى أن الاتفاقية تندرج في إطار الاتفاق الشامل حول الفلاحة ودخول المنتوجات المغربية إلى السوق الأوروبية المشتركة. وإذا كانت العديد من الجهات المناوئة للمغرب تنفي عدم استفادة الأقاليم الصحراوية من عائدات هذه الاتفاقية، فإن المغرب يعتبر هذه الادعاءات مجرد مزايدات سياسية، وورقة ضغط تستعملها المنظمات الصحراوية والجهات المؤيدة لها للتشويش على العلاقة المتميزة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي. ويؤكد المغرب أن المناطق الصحراوية الجنوبية تعرف تقدما كبيرا في البنيات التحتية، حيث تتوفر المنطقة على أكبر ميناء للصيد البحري في المغرب في مدينة الداخلة، كما أن أكبر سوق للسمك في المغرب موجود كذلك في مدينة العيون، إضافة إلى أكبر مصانع التصبير والتجميد في المغرب. ومعلوم أن المغرب يتلقى بموجب اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي مقابلا ماليا يصل إلى 36.1 مليون يورو سنويا كتعويض له عن سماحه للقوارب الأوروبية بالصيد في المياه الإقليمية المغربية. كما تنص الاتفاق أيضا على تخصيص مبلغ 13.5 مليون يورو لتطوير قطاع الصيد البحري التقليدي في المغرب عامة والمناطق الصحراوية بشكل خاص. إن الواقع الأوربي يشير إلى أن إلغاء اتفاقية الصيد مع المغرب سيتسبب في فقدان العديد من الصيادين الإسبان لشغلهم، ولعل ذلك هو ما جعل الحكومة الإسبانية تسرع إجراءات مطالبة مفوضية الاتحاد الأوربي بتمديد اتفاق الصيد مع المغرب، بعدما تأكد أن بعض الجهات تحاول إلغاء الاتفاقية مع المغرب لاعتبارات سياسية تخدم الأجندة الجزائرية. وكانت وزيرة البيئة والوسط القروي والبحري الإسبانية السيدة روزا أغيلار قد سارعت إلى الإعلان عن ترحيبها بتجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهو نفس التعبير الذي ورد على لسان الجمعيات والهيئات النقابية الإسبانية. والجدير بالذكر أن إسبانيا هي المستفيد الأول من هذا الاتفاق حيث تقوم وحداتها بالصيد بشراكة مع شركات مغربية يبلغ مجموع وحداتها 150 قطعة، وتتجه 90 في المائة من المنتوجات البحرية إلى السوق الإسبانية. فمن جهة تحتضن المصايد البحرية المغربية أكثرية سفن الأسطول الإسباني المتحرك في دول العالم الثالث (حوالي 417 سفينة صيد) ويوفر ما يزيد عن 400 ألف وظيفة عمل في إسبانيا وتكلف عملية إعادة هيكلة هذا الأسطول في حالة رفض المغرب تجديد توقيع اتفاقية الصيد التي انتهت مع نهاية نوفمبر 1999، ما قيمته 1.76 مليار يورو أي ثلاثة أضعاف التعويض المالي المقدم للمغرب حسب اتفاق عام 1995. السيناريو الثالث هو عدم تجديد التوقيع على الاتفاقية يبقى هو الأخر واردا وإن كان مستبعدا بالنظر إلى العلاقات الجيدة بين المغرب والاتحاد الأوربي، حيث أعلن المفوض الأوربي عن وجود مفاوضات جارية بشأن تعزيز مجالات الاندماج المغربي في المناخ الأوربي. إضافة إلى ذلك فإن الجانب المغربي وعلى الرغم من تشديد بعض الأوربيين على تحييد الشواطئ الصحراوية من الاتفاقية، يبدو أنه في وضع مريح، يؤكده بعثه لإشارات بليغة إلى الأوربيين من أكادير عبر الدورة الأولى من معرض الصيد البحري "أليوتيس"، المنعقد تحت شعار "الاستدامة، التنافسية، النجاعة" في قطاع الصيد البحري. ويبرز المغرب من خلال هذا المعرض الذي تشارك فيه 200 عارض و300 علامة تجارية تمثل حوالي ثلاثين بلدا من مختلف القارات، مكانته على مستوى الصيد البحري أمام عدة شركاء دوليين، في أفق التوقيع على اتفاقيات للصيد البحري تنضاف إلى الاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار تم تأكيد عزم المغرب وروسيا على تعزيز شراكتهما في قطاع الصيد البحري، حيث تربط البلدين اتفاقية للصيد البحري تم تجديدها مؤخرا لفترة سنتين. 16/02/2011 عبد الفتاح الفاتحي محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء