نريد في هذه الورقة أن نقترح عليكم موضوع الفشل الدراسي في علاقته بالمشروع الذاتي للمتعلمين. لما لهذا الموضوع من أهمية على مستوى الطرح و المناولة في الكتابات الحالية سواء على المستوى الدولي، أو على مستوى موجهات الميثاق الوطني للتربية و التكوين و المخطط الاستعجالي، كمشروع بيداغوجي و اجتماعي تراهن سلطة القرار داخل المجتمع على تفعيل مقتضياته على المدى القريب أو البعيد في واقع المدرسة المغربية الجديدة. و يتقاطع هذا الموضوع في مناولاته العامة مع إستراتيجية بعض الدول الإفريقية - و من ضمنها المغرب - في تفعيل المقاربة الإدماجية كاختيار بيداغوجي يتمركز حول الكفايات الأساسية التي تتيح للمتعلمين تعبئتها اثناء مواجهة وضعية مشكل مركبة داخل حياتهم اليومية." فعندما يفشل متعلم ما داخل المؤسسة المدرسية، أو يصادف صعوبات تعليمية أثناء وضعية الإنجاز، غالبا ما نحتمي وراء تفسيرات جد معقدة تبعدنا عن التحليل المعمق لنوعية هذا الإشكال، و ذلك بالاكتفاء بربط أسباب الفشل الدراسي مثلا، إما بوضعية نفسية يعيشها الفرد المتعلم، أو بقصور في الجانب المعرفي، أو بالعائق السوسيوثقافي ذي الأصل الاجتماعي. إن طبيعة الإشكال الذي يمكن طرحه في هذا الموضوع، يتعلق بسؤال ذا مركزية قصوى و يتمثل في: هل مثل هؤلاء الأطفال الذي يعانون من الفشل الدراسي و غيره يبذلون مجهودا ما أو لا يجتهدون داخل المدرسة؟؛ فإذا كانوا لا يعملون أو لا يجتهدون داخل المدرسة فلا جدوى من طرح مثل هذا السؤال و غيره من الأسئلة الخاصة بالبروفيل المعرفي في علاقته بالزمن التعلمي للمتعلمين؛يمكننا كذلك طرح أسئلة أخرى ذات مستوى إشكالي: لماذا وجب على المتعلم العمل داخل المدرسة؟؛ و ما المعنى الذي يعطيه لمفهوم العمل المدرسي؟؛و لماذا نطلب منه القيام بذلك؟. إنها أسئلة ذات أهمية من حيث المناولة و البحث العلمي الذي تشترطه حاليا؛ خصوصا عندما نريد اقتحام موضوع المشروع الذاتي للمتعلمين في علاقته بالمعرفة المدرسية.أولا بالنسبة لمفهوم المشروع: نشير بان المشروع عموما تم التعامل معه كمذهب رسمي تمت اجراته في الاختيارات البيداغوجية خلال العشرين سنة الماضية، إلا أنه تحول بعد ذلك إلى مشروع مهني، خصوصا بعد التطور الذي عرفه التوجيه كآلية من آليات تحديد الاختيارات التي يجب على المتعلمين سلكها أو التخطيط لها مستقبلا، و ذلك بالدفع بهم إراديا لأن يجدوا مكانتهم داخل المجتمع. و ثمة مشكلات لا بد من معالجتها في هذه الورقة: المشكل الأول: لماذا نطالب الأفراد و الجماعات ببناء مشاريعهم المستقبلية؟، إن مثل هذا السؤال موجه في الغالب للفئات التعليمية التي تحقق نتائج ضعيفة، أو تعاني من مشكلات و صعوبات تعليمية معينة، و لكنه غير موجهه للمتعلمين الذي يحققون نتائج جيدة؛ من هنا تبدو المفارقة واضحة و جلية لتبرير- بطبيعة الحال- التفسيرات المعطاة سابقا للفشل الدراسي، بمعنى أن المشروع عموما لا يطرح إلا عندما نكون في وضعية مواجهة مشكل تعلمي ما، إذن هناك شكل من التحريف للمشروع من منطلق التفسيرات المقدمة حوله خصوصا من طرف الفاعلين التعليميين كما سنبين ذلك. المشكل الثاني: الذي نريد طرحه في هذا السياق كون البعد المذهبي للمشروع يفترض بأن الرغبة في اكتساب المعرفة و في تحقيق التعلمات هما استجابتان لرغبة كامنة في الفرد، و موجودة بشكل مسبق، الشيء الذي يخول له على المدى القريب السعي نحو ضبط الاختيارات التي يستهدفها، حتى يتسنى له الانخراط الذاتي في المعرفة المدرسية بمختلف تخصصاتها و مشاربها. غير أن مثل هذا التفسير فيه نوع من المغالطة، و أكثر أحادية على مستوى الطرح، حيث العكس هو الصحيح في تصورنا، بمعنى أن المعرفة هي التي تخلق الرغبة، أي الرغبة في معرفة أكثر، و الرغبة في التعلم و في التغيير نحو الأفضل كطموح بعيد المدى أو متوسط المدى. المشكل الثالث: و هو عندما نربط المشروع بالمشروع المهني فإننا نقحم ذواتنا في وظيفة إدماج التعليم داخل السيرورة التنموية القائمة على الشغل فقط. و هذا أمر جدير بالدراسة العلمية. تعلمون أننا نعيش في مجتمع يضطلع الجميع فيه بجعل المدرسة كممر للحصول على الشغل مستقبلا، و مثل هذا الطموح هو موجود في ذهنية المتعلمين و الآباء، و أيضا بشكل اضطراري لدى الهيئات السياسية الذين يستغلونه في حملاتهم الانتخابية [ ربط المدرسة بالشغل]. غير أننا ننسى بأن المدرسة لها وظيفة و خاصية نوعية تتجسد في سلطة إنتاج المعنى، أي إكساب معنى – للمتعلمين- حول العالم الذي ينتمون إليه، أو حول العالم الخارجي، أيضا من أدوار المدرسة إكساب المتعلمين معنى حول الحياة عموما، و تكوين معنى حول العلاقات التي يقيمونها مع الآخرين و مع ذواتهم، ننسى كذلك بأن المؤسسة المدرسية يجب أن تكون حقلا لتحقيق اللذة في اكتساب المعارف و المعلومات و المهارات، و إمكانية لولوج مختلف العوالم الفكرية و العلمية و الابستيمولوجية الجديدة؛ بتعبير آخر نرى من وجهة نظرنا الديداكتيكية، بأن المدرسة كمعنى و كلذة و كرغبة يجب أن تقوم مقام المدرسة كأداة للاندماج المهني، حتى تحافظ على خاصيتها النوعية في تحقيق المعرفة كلذة و كرغبة. تعلمون أيضا بأن التمثلات الذاتية للمؤسسة المدرسية كأداة للاندماج المهني، خلفت أضرارا تراجيدية في حياة المتعلمين المقبلين على التوجيه، خصوصا عندما نجدهم مقحمين و بشكل تعسفي داخل لائحة منمطات المنطق الحرفي و المهني المشدود لبعد الحصول على الشغل على حساب المعرفة كلذة و كرغبة للإطلاع و البحث عن الذات و عن الآخر كذلك على المدى البعيد. كما أن الذين يحتكرون و سائل الإنتاج و قوى الإنتاج داخل المجتمع يقرون، بأنه عندما لا يرسل إليهم – بناء على حاجياتهم و معاييرهم المهنية– شبابا لهم مستوى دراسي و مهني متوسط فلا يمكنهم أن يقبلوهم داخل منظومة التكوين المهني. إذن فالتركيز على المشروع المهني كشرط ضروري لتفعيل النجاح المدرسي، يعني الانخراط في نوع من التفكير الأكثر مهننة من الناحية النظرية، و المساهمة بالتالي في إزاحة خصوصية المدرسة عن وظيفتها كفضاء لإكساب لذة المعرفة في أبعادها الشمولية كما سبق لنا توضيح ذلك. و لذلك نعتقد بان أهم إشكالية نواجهها في هذا الإطار هو عندما ندفع المدرسة كمؤسسة تعليمية و اجتماعية إلى التخلي عن وظيفتها النوعية التي وجدت من أجلها و هي المعرفة. إن المعطيات العامة التي جمعناها في هذا الإطار، تؤكد على نوع من التحجر المكون كتمثل حيال المشروع عموما، لقد توصلنا في هذا الصدد، من أن عددا كبيرا من الشباب ينجحون في مساراتهم الدراسية بدون مشروع مهني، و آخرون يفشلون بالرغم من اختيارهم لمشروع مهني محدد، هناك من ينجح بواسطة المشروع، و هناك من يفشل بدون مشروع، و في كلتا الحالات تبدو الصورة واحدة و ممكنة. يمكننا القول بشكل عام بأن الذين ينجحون بشكل جيد لم يكن لديهم أي مشروع مستقبلي باستثناء متابعة دراستهم الجامعية، و لكن لا أحد حاول مساءلتهم عن مشاريعهم المستقبلية، لماذا، لكونهم متفوقين في دراساتهم المدرسية؛ و لكن على النقيض من ذلك، عندما يواجه بعض من الشباب مشاكل في مساراتهم الدراسية، يتم استفسارهم حول نوع مشاريع التي خططوا لها، أو سيخططون لها مستقبلا؟؛ و هو ما يعني بأن المشروع لا يتم التفكير فيه أو طرحه على الواجهة إلا عندما تظهر مشكلات في الحياة التعلمية للشباب المتعلم.لنواصل التحليل في هذا الموضوع: ثمة تساؤل يفرض نفسه علينا: من الذي لديه رغبة في جعل المتعلم يمتلك مشروعا؟ Þ هل المتعلمين أنفسهم؟ Þ أم الأساتذة؟ فانطلاقا من مسوحات أجريناها في هذا الإطار وجدنا بأن الفاعل التعليمي هو الأكثر حاجة لحمل المتعلمين على بناء مشاريعهم الذاتية، خصوصا عندما يجد نفسه أمام وضعيات صعبة على مستوى الاشتغال البيداغوجي؛ و مثل هذا الاختيار كحاجة يعطيه إحساس بكون المشروع المفكر فيه يساعده على الاشتغال مع المتعلمين في ظروف جيدة. سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأسئلة السابقة: هل يجب أن يكون المشروع المفكر فيه واقعيا؟، إذا كان كذلك، ماذا نعني بالمشروع الواقعي؟؛ المشروع الواقعي غالبا ما يصادف رغبة الشباب في تحقيق الطموحات الأكثر غنى من حيث الربح بناء على ما يعايشونه من تجارب في هذا الموضوع، مثال الرغبة في أن يتحول الفرد إلى لاعب كرة القدم، أو عالم فضائي................، و هي اختيارات طموحة بالنسبة لهم – كما سبق توضيح ذلك- للارتقاء الطبقي و تحقيق بالتالي مكانة متميزة داخل المجتمع. لكن ما هي الاختلافات الموجودة بين المشروع الواقعي و المشروع الحالم؟، و لماذا يبقى المشروع الواقعي أكثر فعالية مقارنة مع أي نوع آخر من المشاريع؟. نعتقد بأننا نوجد اللحظة في مواجهة مع مجموعة من الأسئلة الأخرى التي تعمل على تجاوز ما أسميناه بالمشروع المهني، بحيث يمكن تجسيدها بشكل واضح في ما يقترحه الشباب، خصوصا عندما يكونون في مواجهة مباشرة مع المستشار في التوجيه، إذ يعبرون عن شعورهم بالانغلاق و الإحباط أمام لوائح المهن المقترحة من طرفه و لا وجود بالتالي لما يسمى بالمشاريع الحالمة. و هذا أمر في غاية الأهمية [ اعتبارا للقيمة التي تحتلها تربية الاختيارات بالنسبة للشباب]. يمكننا كذلك ملاحظة ردود أفعالهم حيال هذه الوضعية الخاصة بموضوع الاختيارات و دوافعها ثم شروطها، انطلاقا من مجموعة من الاعترافات و المجسدة في ما يلي: Þ اخترت هذا المسار؛Þ أو لم اختره؛Þ أو أرغموني على هذا الاختيار؛Þ لم تكن لدي خيارات أخرى؛Þ لم يكن بمقدوري أن اختار شيئا آخر غير هذا؛Þ أخذت ما تم اقتراحه علي؛Þ لم اختر هذا المسار و لكني جد مرتاح له... فمسألة الاختيار التي تعرضنا لها إذن ترتبط بموضوع الاختيار ذاته، أي:ماذا يجب علي أن اختار؟،و في ظل أي شروط؟،ثم كذلك، ما هي طبيعة هذه الشروط التي على ضوئها نطالب الشباب بتحديد اختياراتهم؟،و هل هذه الاختيارات واضحة أو مبهمة؟؛ أنا أعرف مجموعة من الشباب الذين اختاروا مهنا ما بدون فكرة مسبقة عنها، و هناك مسألة أخرى تخص المشروع المهني، ذلك أن منطق المتعلمين حاليا لا علاقة له بمنطق المهنة أو الحرفة، و إنما له علاقة بمنطق المستوى و التطلعات الذاتية الموجودة لدى كل فرد؛ و يمكننا تقديم مثال في الموضوع و يخص مثلا حرفة الخياطة، فما أظن أن الشباب الذين اختاروا هذه الحرفة سيكتفون بدورهم بعد التدريب في الانتماء إلى يد عاملة متخصصة تعمل في معمل الخياطة فقط ، و إنما طموحهم سيكون أبعد من ذلك، أي أخذ منصب مدير معمل للخياطة، أو مالكا له...، و هذا المثال يبرز منطق الاختلاف على مستوى التأويل المعطى للمهنة سواء من طرف الشباب أنفسهم أو من طرف الوزارة الوصية على التربية و التكوين، و أيضا من طرف الذين يملكون و سائل الإنتاج و قوى الإنتاج داخل المجتمع كشريك داعم افتراضا لتدبير الموارد البشرية. إن مشكل الشباب عندنا هو رغبتهم في أن يتواجدوا كذوات و في أي مكان و داخل أي وظيفة؛ ذلك لأن الشباب الذين ينحدرون مثلا من أوساط شعبية غير متقوقعين داخل الزمن الحاضر كما هو متمثل لدى عدد كبير من المهتمين، بل بالعكس تجدهم يتحدثون عن إنشاء أسرتهم الصغيرة، و كيفية تربية أبنائهم، و طموحهم في الحصول على شقة بجانب البحر و على امتلاكهم لسيارة من نوع كذا...، و مثل هذه الطموحات تعبر عن مشاريع واقعية و حالمة في نفس الوقت.غير أن ما يبدو لنا أكثر أهمية بالنظر للمشروع، ليس المشروع المهني، أو المشروع الذي يتيح إمكانية التسلق الطبقي، و إنما هو مشروع الحياة أو مشروع الذات بشكل خاص". نص مقتبس من محاضرة ألقاها برنارد شارلو بجامعة سان لويس، ببلجيكا ، يوم 9 مارس 2000، في إطار اليوم التكويني المنظم من طرف شعبة البيداغوجيا" FESeC..