تم يوم 8 ماي الجاري بالخزانة الجهوية بآسفي الإعلان عن إحداث مشروع سيساهم في تنمية الإقليم، ويتعلق الأمر بالمركز الوطني للبحر (ATLANTIS)، الذي يرجع الفضل في إحداثه إلى جمعية أصدقاء طور هيردال، ويهدف هذا الإنجاز إلى الإنفتاح على العالم وربط الماضي بالحاضر، ومد جسور التواصل بين شعوب العالم. و يُرمَز للمشروع المزمع إحداثه بآسفي بنجمة بحرية قلبها النابض في حاضرة المحيط آسفي على الخصوص وفي المغرب على العموم، أما أطرافها الخمسة فتمتد اتجاه القارات الخمس عبر البحار والمحيطات. المكان الذي سيشيد فيه هذا المركز حسب المنظمين سيتم اختياره بين المواقع التالية:1) منطقة رأس الأفعى 2) موقع محاد لشاطئ آسفي 3) المرسى القديمة 4) قصر البحر البرتغالي بعد ترميمه...حضر هذا اللقاء إلى جانب والي جهة دكالة عبدة سفير النرويج بالمغرب وممثلة منظمة اليونيسكو بالمغرب والمدير العام لNAUSICAA (مركز بحري فرنسي) والسلطات المحلية والمنتخبون وفعاليات من المجتمع المدني. رحلة راع II الإستكشافية انطلقت من مدينة اسفي في 17 ماي 1970. قادها الرحالة النرويجي طور هيردلThor Heyerdahl لقد أراد طور هيردل عبور المحيط انطلاقا من مدينة اسفي أن يثبت فرضية إمكانية وصول مراكب المصنوعة من نبات البردي(PAPIRUS) لقدماء المصريين إلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، فكانت رحلة راع II تأكيدا عمليا لتواصل الحضارات الإفريقية القديمة مع هنود أمريكا الوسطى. كيف قطع مركب مصنوع من نبات البردي مسافة بحرية تبلغ 6200 كيلومتر مدة 57 يوما و يحمل ثماني رجال من جنسيات مختلفة؟ كيف توفق ثماني رجال ، من جنسيات مختلفة قطع مسافة بحرية تبلغ 6200 كيلومتر في مدة 57يوما ، لعبور المحيط الأطلسي حتى جزر البارباد ببحر الكارايبي؟ انه السؤال الذي مازال يطرح وبإلحاح كبير إلى حد الساعة بعد مرور 38 سنة من رحلة راع 2 الدائعة الصيت و التي حملت اسم مركب مصنوع من نبات البردي الذي ينبت في الماء و خاصة بصعيد مصر، و هو عبارة عن سيقان خضراء مستديرة، و الذي ثم بناءه على الطريقة المصرية العتيقة في المغرب من قبل صيادين بوليفيين. و سمي راع 2 .بعد أن كانت قد تمت المحاولة الأولى قبل عشرة أشهر لعبور على متن مركب سمي براع الأول في 5 ماي 1969 لعبور المحيط الأطلسي، و الذي ثم بناءه من طرف صيادين من نهر تشاد في إثيوبيا، و هنود حمر يقطنون بحيرة تيكيكاكا التي تعتبر المكان الوحيد، في العالم الذي مازالت مراكب البردي تستعمل فيه لحد الآن، و هي تقع على حدودا لبيرو و بوليفيا وعلى ارتفاع 4000 متر عن سطح البحر، حيث مازال الناس هناك يشيدون مراكب البردي الشبيهة بالتي كانت تشيد في عصر الفراعنة.لقد كان الأنتروبولوجي المكسيكي سانتياغو خينوفيش الذي شارك في الرحلة الأولى هو من أوكل مهمة تشييد المركب إلى هنود وبحارة ضفة بحيرة بوليفيا. لذلك فقد وافق أربع رجال المجيء معه إلى المغرب لتشييد مركب راع الثاني ، حيث لم يتمكنوا من العودة إلى عائلاتهم إلا بعد مرور عدة أشهر، و كانوا حينها قد ابدوا خلالها اندهاشهم وإعجابهم بأفريقيا.تطلبت عملية بناء المركب راع 2 إحضار 12 طن من سيقان نبات البردي، من بحيرة ثانا بإثيوبيا منبع النيل الأزرق إلى مدينة آسفي، التي كانت تعتبر ابرز الموانئ القديمة للفينيقيين على الساحل الأطلسي للمغرب.و اختار الهنود أحسن ما وجدوه من سيقان نبات البردي، قبل أن يشرعوا في تشييد المركب، من خلال تجميع الآلف سيقان و قطع نبات البردي في حزمتين كبيرتين أسطوانيتين بواسطة حبل متين، ليتم بعد دلك تجميع الحزمتين بإحكام كحزمة واحدة على شكل مركب،و تم تشكيل جانبي الحزمتين ليشكلا مقدمة ومؤخرة مركب راع الثاني .يوم الخامس من شهر ماي 1970 انتهت أشغال تشييد مركب راع 2 التي استمرت ستة أسابيع ولكنه كان أصغر من راع الأول. أصبح المركب جاهزا للإبحار، و جاء بالتالي دور البحار الأمريكي نورمان بيكر للالتحاق برجال رحلة المغامرة. وتحت قيادته انطلق راع الثاني ليعبر مدينة آسفي انطلاقا من ورشة البناء إلى مياه الميناء .وحسب التقاليد المحلية تم إطلاق المركب بعد إعطاء حليب الماعز حسب ما تؤكده الكاتبة عائشة عمارة في كتابها الصادر باللغة الفرنسية، و الذي خصصته عن رحلة راع 2. وبعد ذلك تم رفع علم الأممالمتحدة كرمز لجنسيات الأعضاء الثمانية الذين يشكلون فريق المركب . لقد انتظر البحارة عشرة أيام لكي تتشبع نبات البردي بالماء جيدا، وفي 17 ماي تم انطلاق المركب لرحلته الطويلة. يقول : تور هييردال : لقد أبحرنا لمدة يومين تحت رياح كانت لصالحنا نحو الجنوب بمحاذاة السواحل الأفريقية. كان راع الثاني يتقدم بمسافة مئة ميل في 24 ساعة. ولكن بسبب شحنه لستة أطنان من السلع بدأ المركب يغوص ويغرق كل يوم شيئا ما. ولتجنب أي مشكل لغرق المركب قرر الفريق رمي كل ما يعتبرونه غير ضروري ، و كانت الانطلاقة برمي زورقي انقاد ، حتى بلغ مجموع ما تم رميه طن من المعدات تحت أعين المشرف سانتياكو .ويحكي هييردال، أن المركب توقف عن الغوص والغرق عندما تم تخفيفه ليتسنى مواصلة الرحلة نحو أمريكا.مع بزوغ الليل كان المغامرون الثمانية على متن مركب راع 2، يقومون بتعليق مصابيح زيتية [بترولية] ليعلنوا للمراكب الأخرى عن وجودهم. لقد قاموا بذلك لأنه كان من الصعب على ألياف البردي أن تكتشف من قبل ردارات السفن التجارية .وفي صبيحة أحد الأيام كانت الرياح جد ضعيفة إلى درجة انعدامها مما جعل المركب يعتمد على تيارات بحرية ضعيفة ليواصل إبحاره، لقد كان يتم تصوير المركب من الخارج. ولهذا الغرض كان يتوفر البحارة على قارب صغير مطاطي يمكنه أن يحمل ثلاثة رجال وذلك عندما تسمح ظروف الطقس وتقلبات البحر.لقد كان من السهل اكتشاف كريات الوقود الصلبة على سطح المركب عند هدوء ماء البحر وحسب هييردال فهذا من أحد أشكال التلوث الدائم والموجود تقريبا في أي مكان طوال رحلتهم الأولى. حيث بقي المركب يرسو في تلك المنطقة لعدة أيام، ولرفع معنويات الفريق المغامر، اتفق الأستاذان المكسيكي والمصري على لعب دور المهرج. وأثناء انجراف المركب مع التيار البحري، كانت بعض أصناف من الطيور تحط فوقه. كما أن بعض أنواع الحوت الكبير كانت تدور على نفسها بالقرب منه، ومن بين الطيور التي حطت على المركب كانت حمامة تحمل خاتما يحدد مصدر انطلاقها والذي كان هو إسبانيا، فقام المغامرون الثمانية بإضافة رسالة مكتوبة إلى خاتم الحمامة المثبت على رجلها، لكنها رفضت أن تطير وفضلت البقاء على متن المركب.وبعد ذلك قام جورج سوريال، الرجل الملقب من طرف رفاقه بالرجل الضفدع، بالغوص تحت المركب مرفوقا بكاميرا مائية صغيرة، في وقت كان فيه " تور " يتفحص حزمتي البردي، إلى أن تأكدوا من الحالة الجيدة التي كانت عليها . و بسبب ضعف الرياح بقي المركب بدون حركة لمدة سبعة أيام، مما جعل تور هييردال يتخوف من هذه الوضعية لأنه لا يمكن لقطع البردي أن تطفو فوق الماء لمدة طويلة، لذلك حاولوا الملاحة و التجديف، ولكن بدون جدوى في تلك المنطقة الهادئة. و بعد انتظار لعدة أيام، بدأت الرياح تهب من جديد ولكن أقوى من المتوقع.كان الفريق يتصف بروح الجماعة، فأفراده يمثلون كل الديانات. وكان المغربي المدني أيت أوهاني يقوم بالبحث عن البوصلة من وقت لآخر لتحديد اتجاه مكةالمكرمة لأداء الصلاة.لقد كان الفريق يتكون من ثمانية رجال من أعراق وثقافات وديانات وجنسيات متعددة وكانوا يتعايشون مع بعضهم البعض في انسجام تام على بضع أمتار مربعة كان الروسي يتواجد بجانب الأمريكي واليهودي بجانب المصري.يحكي الملاح النرويجي أنه كان يدون كل الأحداث التي تمر بهم ليستشعر شعور الملاحة في القديم.لقد تم اكتشاف بعض النقوش البارزة والرسومات العتيقة لمراكب تشبه راع الثاني تم تشييدهم باستعمال حزم البردي وتشكيلهم بطرق مماثلة وكما يحكي أحدهم لقد كان لديهم فقط السداسية [آلة قياس ارتفاع من على السفينة] كآلة حديثة للملاحة.كل المئونة كانت مخزنة على الطريقة القديمة . لقد تم تخزين الماء في قرب مصنوعة من جلد الماعز، والمواد الأخرى في جرات الخزف، ومن بين المواد التي حملوها معهم كان اللوز والخبز الصلب والزبيب والتمر وسلو و الذي كان عبارة عن مزيج من العسل والفول السوداني " كوكاو" والدقيق، بالإضافة إلى إنهم حملوا معهم البيض الطري والسمن وكمية من اللحم المملح [ القديد] والسمك المجفف.في أحد الأيام هاج البحر وبدأت الرياح تهب بقوة كبداية لعاصفة، في البداية استطاع راع الثاني تحمل الأمواج التي تتكسر على متنه حيث قامت أحد الأمواج العالية بتكسير دفتي المركب. وكان الملاحة يكافحون ضد البحر للحفاظ على توازن المركب تجاه الأمواج. وبعد هدوء البحر استجمع الملاحة قواهم وشرعوا في الإبحار إلى السواحل الأمريكية. لكنه أصبح من الصعب تحريك راع الثاني رغم أم الملاحين مازالوا في نصف الطريق إلى أمريكا. ويقول "هيردل " : لقد كنا مذهولين عندما اكتشفنا أن كل قطع البردي لم تتكسر وأن الحزمتين لم تتفككا، ويتساءل قائلا : [ هل باستطاعة أي مركب صلب مقاومة أمواج المحيط لمدة طويلة ].لقد استطاع راع الثاني الوصول إلى منطقة الأنتيك بعد قطع مسافة 5000 كلم بحرية حيث تتكون الأعاصير الأمريكية. حيث هناك تركت الحمامة المركب إلى غير رجعة، و لتحط ومرة أخرى طيور أخرى فوق المركب مما يعني أن المركب بدأ يقترب من السواحل. ويصرح هيردل أن المركب بدأ يغرق ويغوص شيئا ما وبأنهم يبحرون بسرعة قصوى تصل إلى أربع عقد بحريةوفي أحد الأيام استطاع الفريق أن يرى الأرض من بعيد، ويسترسل هييردال في قوله واصفا أجواء الرحلة : [ لقد كانت فرحة الفريق عارمة وأقوى من التي أحستها عند عبور المحيط الهادي سنة 1947 لأحط بطاهيتي.لقد جاءت العديد من المراكب ترحب وتحيط براع الثاني، و كان الاستقبال رائعا إلى درجة ظن معها ملاحة مركب راع، ا أن لكل سكان جزيرة البارباد جاءوا لتحيتهم. ومن بين الحضور كان الوزير الأول وأعضاء من الأممالمتحدة وبعثة أمريكية جاءوا لتحية الفريق، الذي تمكن من عبور الأطلسي في مدة 57 يوما استطاع راع الثاني عبور 3270 ميل [ تقريبا 6200 كلم ] والهدف من الرحلة هو إثبات أن باستطاعة مثل هذه المراكب قطع المحيط في العصور القديمة، وهذا يثبت أن مشيدي الأهرامات بمصر وأبناء حضارة الهنود الحمر لهم نفس الأصل.والهدف من رحلة طور هيردل أن يثبت فردية إمكانية وصول مراكب البردي (PAPYRUS) للمصريين القدامى إلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي معتمدة على التيارات البحرية القوية لجزر الكاناريا وهذا يثبت أيضا أن مشيدي الأهرامات بمصر وأبناء حضارة الهنود الحمر لهم نفس الأصل، وأن هناك تواصل بينهم وبين الحضارات المصرية والإفريقية القديمة.ازداد تور هييردال(Thor Heyerdahl) سنة 1914 بمدينة شنا فيك النرويجية لقد كان ملاحا ومستكشفا وعالما للآثار. قام بعدة رحلات من اهمها : رحلة (كون تيكي) سنة 1947 حيث أبحر من كالاو البيرفية رفقة ست بحارة قطع خلالها 4300 ميل بحري قادته إلى جزر البولينيزية. وفي سنة 1953 انطلق في رحلته إلى جزر الكلابادوص اكتشف من خلالها مآثر تعود إلى عهد شعوب الأنكا ومعه 20 من مرافقيه. قام هيردل بأعمال تنقيب اركيولوجية تمكن من خلالها وجود ثلاثة عصور مختلفة أهمها العصر الذي شاهد تشيد تماثيل الأحجار الضخمة (Les Menhirs) التي تشتهر بها جزر الباك.رحلة هيردل الاستكشافية كان لها صدا كبير في أنحاء العالم مما جعلته يتبوأ مكانة راقية عند العلماء ورؤساء دول العالم. لقد كان عضوا في أكاديمية العلوم بالنرويج كما أنه حصل على الميدالية الذهبية من Royal Geographic بلندن كما لقب باسم الدكتور أونوريس كوزا" من قبل المئات من الجامعات والمعاهد المتميزة في العالم. وقد تم اختياره كرجل سنة 1999 من قبل بلده النرويج. كما استعار العلماء الروس اسمه لتسمية أحد الكواكب الصغيرة التي اكتشفوها وبإلحاح من النرويج وتحت رعاية الأمير فيليب ، و تم تأسيس سنة 2001 الجائزة الدولية للملاحة تور هيردل ، و الخاصة بالبيئة.فكان أن استقبل من طرف الملك الراحل الحسن الثاني كما حظي بكثير من الإهتمام من طرف الواليات المتحدةالأمريكية في شخص رئيسها آنذاك ريشارد نيكسون. وفي قلب مدينة آسفي نصب تذكار يرمز إلى هذا الحدث التاريخي، كما تكونت جمعية أطلق عليها اسم "أصدقاء طور هيردل" من أجل استحضار رحلة راع II ونسجها في ذاكرة أجيالنا الصاعدة.