رفعت حكومة عزيز أخنوش في مشروع قانون المالية الذي قدم يوم أمس للبرلمان من سقف الاعتمادات المخصصة للاستثمار في قطاعات كالصحة والتعليم لطالما كانت الحصص المخصصة لها تشكل ضعفا بارزا في حكومتي العدالة والتنمية، حيث كانت دون مستوى تطلعات شرائح عريضة من الشعب المغربي، خصوصا أن المغرب قبل الجائحة، كان يتوفر على هامش مريح من التدخل الحكومي عبر الاستثمار العمومي وتخفيف القيود والتشجيعات الضريبية أو المباشرة، الأمر الذي أظهر غياب رؤية واحدة وتدبير استراتيجي حكومي، حيث أفقد عمل الحكومة هدفها التنموي الحقيقي. في عهد حكومة العثماني تقلصت ميزانية الصحة والتعليم : التعليم : في السنتين الأخيرتين من عمرها قامت حكومة العثماني بتوجيه ضربة قوية لقانون المالي لقطاع التعليم العمومي بتقليص ميزانية التعليم حيث كشفت الأرقام الرسمية، أن رئيس الحكومة العثماني قام بتقليص ميزانية التربية الوطنية بما يفوق 1500 مليار سنتيم ما بين ميزانيات التسيير والنفقات والاستثمار. ووفق المعطيات الرسمية، فإن حكومة العثماني خفضت ميزانية النفقات والتسيير التي لها علاقة بالتوظيف والتعاقد ب1300 مليار سنتيم بينما قلص ميزانية الاستثمار التي تصرف لبناء المدارس والمؤسسات التعليمية ب200 مليار سنتيم، الأمر الذي فسح المجال لتمدد لوبي قطاع المدارس الخصوصية. وأقر رئيس الحكومة السابق سعدالدين العثماني في أكثر من مناسبة بصعوبة إصلاح نظام التعليم في ولايته الحكومية، إذ قال إن إشكالات هذا القطاع بالمغرب قديمة وبنيوية وعميقة، وتعود إلى عهد حكومات سابقة، بحجة أنه لا يمكن لحكومة أن تدعي حلها في سنتين أو ثلاث سنوات، واعتبر أن الأمر غير ممكن في حين كان الأمر يتطلب الرفع من ميزانية التعليم بشكل كبير في كل سنة مالية لحل الإشكالية ولو بنسبة 75 في المئة. بالإضافة إلى فشلها في الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية والدليل على ذلك هو أن مختلف الفئات في قطاع التعليم، خرجت إلى الشوارع والساحات للاحتجاج على الحكومة، من تلاميذ وأساتذة وأطر إدارية، وطبعا دون أن ننسى الملفين الذين عمَّرا طويلا أمام البرلمان بالمسيرات والوقفات الاحتجاجية وهما: أساتذة التعاقد وأساتذة الزنزانة 9 وهو ما هدد بسنة بيضاء في قطاع التعليم. بالإضافة إلى أن أداء التلاميذ على مستوى الامتحانات الدولية للرياضيات والعلوم والقراءة كان متدنيا. الصحة : طالما تغنت حكومة العثماني بأنها "حكومة اجتماعية" لا لشيء سوى لأنها وضعت بعض الإمكانيات المادية في القطاعات الاجتماعية، وهو ما لا يمكن اعتباره مؤشرا لأن العبرة بالنتائج، والنتائج ظاهرة للعيان اليوم من خلال الأوضاع العامة في قطاع الصحة رغم تخصيصها 14 مليار درهم للقطاع، حيث سجلت حجم الإختلالات بالقطاع قبل الجائحة وبعدها لو التدخل الملكي الذي أنقذ ما يمكن إنقاذه. فعلى المستوى الصحي مثلا، وبالرغم من إلتزام الحكومة بتحقيق نسبة 90 في المائة من التغطية الصحية الخاصة بالمستقلين، إلا أن الأمر لم يتحقق ، ذلك أن الواقع يكشف بأن لا أحد يتوفر اليوم على التغطية الصحية بالنسبة للمستقلين وذلك بالرغم من الدعم الذي تلقاه هذا القانون في البرلمان أنذاك. إن تخبط الحكومة في قطاع الصحة قبل الجائحة أعطى انطباعا وقناعة عامة لدى المواطن أن البطاقة التي يوفرها نظام المساعدة الطبية "راميد" لا توفر له الخدمات الصحية التي أُوجِدت من أجلها هذه البطاقة، وهو ما تؤكده تصريحات سابقة لكل من الحسين الوردي وزير الصحة السابق في حكومة العثماني ومن بعده الوزير أنس الدكالي، بخصوص وجود صعوبات في التسيير والتدبير تعترض برنامج "راميد"، دون وضع خطة استعجالية لإيجاد حلول لتفعيلها وهو الأمر الذي يعاب على حكومة العثماني. بالإضافة إلى قائمة الانتظار الطويلة للقيام بعمليات جراحية، البعض منها مستعجل، قد يأخذ شهورا في المستشفيات العمومية. أما على مستوى المناصب المالية في القطاع فقد ظلت الحكومة السابقة منذ 2016 تتذبذب في المناصب المالية حيث خصصت بشكل ضعيف في كل سنة مالية حوالي 800 منصب شغل سنويا، مقابل ضعف الموارد البشرية بالمستشفيات وطلبات التمريض التي ارتفعت بشكل مهول خصوصا مع بروز جائحة كورونا. حكومة أخنوش ترفع التحدي باستثمار ب9 مليار درهم في قطاعي الصحة والتعليم : عرف قانون مالية 2022 الذي قدمته وزيرة المالية في حكومة اخنوش يوم أمس بالبرلمان بتحديات جديدة باستثمار 9 مليار درهم في قطلعي الصحة والتعليم، حيث خصصت 18.144 مصب مالي في قطاع التعليم، و5.500 منصب شغل بقطاع الصحة بالإضافة إلى 5 ملايير درهم لتأهيل مستشفيات ومراكز تكوين الأساتذة والمؤسسات الجامعية. التعليم : جاء قانون مالية 2022 منسجما مع البرنامج الحكومي الذي صرح به رئيس الحكومة عزيز أخنوش في البرلمان، حيث أكد على أن إعادة الاعتبار لمهنة التدريس تمر بالضرورة عبر تحسين دخل الأستاذ في بداية المسار، ومواكبته طيلة هذا الأخير، وتقييم منتظم لكفاءاته، وخلق تكوين انتقائي ومتجدد للأساتذة، من خلال إحداث كلية التربية لتكوين الأساتذة يكون الولوج إليها على أساس انتقائي، بالموازاة مع تعزيز القدرات التكوينية للبنيات الحالية، خاصة منها المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لتعزيز جودة التكوين المستمر للأساتذة. واعتبر البرنامج الحكومي أن إتقان الأطفال المغاربة لمكتسبات المرحلتين الابتدائية والثانوية شرط لازم كي تتمكن الجامعات من لعب دورها المتمثل في نقل المعرفة وتعميقها، مسجلا أن التقدم نحو تكافؤ الفرص يتطلب دعم سياسة طموحة للطفولة المبكرة وتمكين الأطفال من المعارفَ الضرورية وتربية الناشئة على التشبث بالقيم الثقافية المغربية. والتزمت الحكومة خلال السنة الأولى من ولايتها بفتح حوار اجتماعي، خاصة مع المركزيات النقابية للتعليم الأكثر تمثيلية من أجل التوافق حول الإجراءات والتدابير الرامية إلى الرفع التدريجي من الحد الأدنى للأجرة الصافية الشهرية عند بداية المسار المهني، لحملة شهادة التأهيل التربوي من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. الصحة : خصص ما مجموعه 23,5 مليار درهم من الميزانية العامة للدولة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وخصص المشروع 5 آلاف و500 منصب من ضمن 26 ألفا و860 منصب مقترح من قبل الحكومة، لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، حيث كان البرنامج الحكومي واضحا بخصوص تأهيل القطاع الصحي عبر تأهيل المستشفى العمومي حيث أصبح أولوية حكومية، سيتم تنفيذه من خلال خطة طموحة تروم تلبية الحاجة الماسة على المدى القريب، مع توفير الوسائل الكفيلة بتطوير العرض الصحي على المدى البعيد. ومن بين المشاريع الكبرى التي ستشتغل عليها حكومة أخنوش هو مشروع الحماية الاجتماعية الذي يقتضي تأهيلا حقيقيا للنظام الصحي الوطني، حيث سيتم تعزيز ميزانية قطاع الصحة في سنة من الولاية الحكومية. كما كشف البرنامج الحكومي أن قوانين الميزانية لكل سنة ستعمل على الرفع من عدد العاملين في الرعاية الصحية ومراجعة وضعيتهم وفقا لكفاءاتهم من أجل تغطية أفضل للتراب الوطني وتلبية حاجيات المرضى على وجه أمثل، وتعميم طب الأسرة على نحو تدريجي، وتعزيز المراكز الصحية الأولية، وإحداث شبكات مستشفيات جهوية. كما تعهدت حكومة أخنوش بإحداث بطاقة صحية ذكية للحد من الإنفاق المباشر للمرضى على الخدمات الصحية، ومراجعة السياسة الدوائية، ومنح تحفيزات لمهنيي قطاع الصحة للحد من ظاهرة سوء التوزيع المجالي لمهنيي الصحة، وتعزيز السياسة الوقائية، كلها إجراءات من شأنها إعادة ثقة المواطن في المستشفى العمومي. والملاحظ أن مشروع قانون المالية حكومة أخنوش أولى اهتماما مركزا للجوانب الاجتماعية من التنمية الشاملة المستدامة، حيث يرى متتبعون أنها راعت التوجهات العامة لمشروع قانون المالية الذي أحالته الحكومة على البرلمان، ونال تعزيز آليات الإدماج ومواكبة تعميم الحماية الاجتماعية حظا وافرا من الاهتمام في مشروع قانون المالية للعام القادم، باعتبار أن هذا الورش هو من الأوراش الملكية الكبرى .