أحد المشاكل الكبرى التي تقف اليوم حاجزا أمام تحقيق التناغم بين منظومة التعليم وسوق الشغل هو اعتماد جميع الاستراتيجيات التي تم وضعها، من أجل إيجاد ذلك التناغم، على مبدأ “الدبلوم” بدل مبدأ “المعرفة” … آشمن ديبلوم عندك، ماشي آش كاتعرف تدير .. والنتيجة يعرفها الجميع، بطالة مرتفعة جدا بين حاملي الشهادات ولا أحد من المسؤولين/السياسيين يتجرأ على طرح سؤال “ما قيمة تلك الشهادات؟” لكي يتجنب غضب الناخبين … نفس المبدأ اليوم نشاهده في الترويج الرسمي لبعض الأرقام بخصوص التعليم، وأحسن مثال يمكن استحضاره هو إحصاصية نسبة التمدرس التي حققت ارتفاعا وصل إلى ما يناهز 98% … مزيااان، لكن ماذا بعد ؟! ماذا تُنتِج المدرسة العمومية التي يقصِدُها هؤلاء الأطفال ؟ وماذا تصنع منهم مستقبلا ؟ إما منقطِعين عن الدراسة، يخرجون إلى الشوارع ولا أحد يكثرت لأمرهم بعد ذلك، أو حاملي شهادات دون مهارات حقيقية. ثم نأتي بعد ذلك لنتفاجأ بارتفاع نسب الجريمة والعنف والتطرف والبطالة داخل المجتمع، وخصوصا داخل المجالات الحضرية، مع أن الاستراتيجيات التي وضعناها منذ عقود هي التي وفّرت المادة الخام لانتشار كل تلك الظواهر … المدرسة الحقيقية يجب أن تعلم أطفالنا Le savoir être قبل Le savoir faire. المدرسة يجب أن تعلم الطفل كيف يعيش وكيف يتأقلم وكيف يتطور وكيف يفكر، قبل أن تشحنه بالمعارف الجافَّة. المدرسة يجب أن تربي قبل أن تعلِّم، لأن منقطعا عن الدراسة يتقن التعامل مع محيطه أنفع للوطن من دكتور أو مهندس لا يحسن التعامل مع محيطه. والمشكل هنا ليس مشكل إمكانيات وموارد، بل مشكل غياب تصوُّر واضح وفهم عميق للمشكل الحقيقي. للأسف لا زلنا نناقش الهوامش فقط عندما يتعلق الأمر بموضوع إصلاح منظومة التربية والتعليم، مع أن المدرسة هي المُنطلق الأساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية. والواقع اليوم هو أن القَدَر أصبح هو المحدد الأساسي والرئيسي في رسم مسار المواطن … إذا كنتَ محظوظا وَقُدِّر لك أن تولد وسط أسرة متوسطة أو ميسورة، ستجد الحد الأدنى للعيش متوفرا لتنطلق في حياتك انطلاقا من المدرسة التي يمكن لأسرتك أن تختارها لك بفضل إمكانياتها .. أمّا إذا لم تكن محظوظا وقُدِّر لك أن تولد وسط أسرة فقيرة، فستقضي أيامك تحارب الأمية وسط مدرسة عمومية توفر لك جميع الظروف للانقطاع عن الدراسة في أقرب الآجال .. مع وجود استثناءات طبعاً في الحالتين ! الأول وجد الحد الأدنى للعيش متوفرا، وساعده على الانطلاق لبناء حياته وحياة أبناءه من بعده. والثاني سيقضي حياته كلُّها محاولا توفير الحد الأدنى للعيش، فقط، له ولأبناءه من بعده. والقَدَر هو المحدد في الحالتين، في غياب تام لأي دور للدولة !