نشرت صحيفة “ذي إندبندنت” في نسختها العربية تقريراً حول رواتب النخب السياسية بالمغرب و التي تثير حسب قولها استفزاز الشارع المغربي. و قالت الصحيفة أن الجدل السياسي و القانوني احتدم في الآونة الماضية، بشأن رواتب ومعاشات البرلمانيين في المغرب، بخاصة بعد تسلم رئيس الحكومة المُقال، الأمين العام السابق لحزب “العدالة والتنمية” عبد الإله بن كيران معاشاً استثنائياً من قبل الملك محمد السادس. و أضافت أن ذلك عرّض بن كيران لانتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن فئات واسعة من الموظفين، الذين ذكّروه بمواقفه السابقة بعد قراره الاقتطاع من أجور الموظفين ورواتبهم بحجة إصلاح بعض الاختلالات في الصندوق الوطني للتقاعد. و أوردت الصحيفة ، أن تكلفة رواتب البرلمانيين، ترهق ميزانية دولة تعيش كثيراً من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وأن البرلمانيين والوزراء لا يمارسون مهناً، بل مهمات سياسية لا تتطلب رواتب. زهر الدين طيبي، المحلّل السياسي، قال للصحيفة إن المبالغ التي يتقاضاها كبار المسؤولين في الدول المتقدمة تبدو منطقية وتتعامل بحرص مع خزينة الدولة، إذا قورنت بمستوى المعيشة والخدمات الاجتماعية التي تقدّم إلى المواطنين وقوة الاقتصاد. لكن حين يتعلق الأمر ببلد كالمغرب، وفق طيبي، لا تزال الخدمات الاجتماعية فيه ضعيفة ولا يزال عدد الفقراء بالملايين، فإن تقاضي كبار المسؤولين تعويضات كبيرة وامتيازات متعددة من بطاقات التنقل المجاني عبر القطارات والتخفيضات في الطائرات وتعويضات عن السكن والنقل وغيرها، أمر يدعو إلى التأمل حقاً. ويوضح طيبي أن تولي المناصب في المغرب بات وسيلة للإثراء والتمتّع بالرواتب والامتيازات. الحديث عن رواتب البرلمانيين أو المسؤولين المغاربة يقودنا إلى مقارنتها برواتب نظرائهم في الدول الأخرى تقول “ذي إندبندت”. فعلى المستوى الأفريقي، تبقى رواتب البرلمانيين المغاربة من أعلى الرواتب، إذ تأتي في المرتبة الثانية بعد جنوب أفريقيا، التي يتلقى نوابها دخلاً شهرياً يقدّر ب 6100 يورو، في حين يتقاضى نواب السنغال 3000 يورو كتعويض شهري، بينما لا تتجاوز رواتب النواب في تونس ال 1000 يورو، وهو ثلث ما يتقاضاه النواب في المغرب. و يرى طيبي أن المقارنة البسيطة بين الرواتب الممنوحة إلى المسؤولين الحكوميين في بعض الدول، سواء الأوروبية أو المتقدمة، مع نظرائهم المغاربة تطرح أكثر من سؤال، مع الأخذ في الاعتبار حجم الناتج الداخلي الخام. ويقول طيبي إنه في الوقت الذي يتقاضى رئيس الحكومة مبلغ 70 ألف درهم شهرياً كأجر، من دون الحديث عن تعويضات السكن والتنقل وغيرها، فإن الرئيس الصيني لا يتقاضى سوى 4000 دولار، أي ما يعادل 32 ألف درهم مغربي، على الرغم من أن الناتج الخام للصين يصل إلى 3200 مليار دولار، في حين لا يتجاوز الناتج الخام للمغرب ال 82 مليار دولار كما لا يتجاوز الراتب الممنوح إلى الرئيس الروسي 5000 يورو، على الرغم من أنه يتحكم بسلطة دولة نووية واقتصادية كبرى. و يشير طيبي إلى أن البرلماني الذي أكمل الولاية التشريعية (مدة الولاية خمس سنوات) كان يستفيد من تقاعد عبارة عن راتب يقدر ب 5000 درهم (حوالي 500 يورو) معفى من الضريبة على الدخل وغير خاضع لأي تصريح، وهو يتقاضاه مدى الحياة بغض النظر عن سنه، ابتداءً من نهاية ولايته. هذا التقاعد، يعتبره طيبي، شكلاً من أشكال “الريع” (امتيازات) واستثنائياً لكونه لا يخضع لطرق الاحتساب المعمول بها مع الأجراء الآخرين في القطاعين العام والخاص، ويمثل ازدواجية في معايير التعامل مع المواطنين. ويقول إنه من غير المقبول وغير المنطقي أن يستفيد البرلماني من التقاعد في سن مبكرة ومن دون شرط الوصول إلى عمر التقاعد القانوني، في حين أن الموظف أو الأجير يعمل عشرات السنوات ولا يحصل على التقاعد إلا بعد الوصول إلى سن التقاعد، الذي انتقل من 60 إلى 63 سنة مع حكومة عبد الإله بنكيران. أرقامٌ خيالية تذهب إلى جيوب البرلمانيين، فهؤلاء الذين تُكلف تعويضاتهم ورواتبهم خزينة الدولة ما يزيد على 40 ملياراً سنوياً، وفق خبراء اقتصاديين، في حين يمكن هذا الرقم أن يخلق أكثر من 100 ألف وظيفة براتب شهري يقدر ب 3000 درهم. من جهة أخرى و في بداية العام 2019، تلقى الموظفون العموميون في مختلف القطاعات الحكومية الاقتطاع الرابع من رواتبهم الشهرية منقوصةً بحوالي 14 في المئة، طبقاً لمقتضيات القانون 71.14، بعدما كانت نسبة الاقتطاع في حدود 10 في المئة فقط. وكان هذا القانون أعتُمد في عهد حكومة بنكيران، ودخل حيز التنفيذ منتصف العام 2016، وهو ينص على رفع نسبة الاقتطاع من رواتب الموظفين برسم التقاعد تدريجاً من 10 إلى 14 في المئة لسد العجز الذي يعيشه الصندوق المغربي للتقاعد، وسيستمر دائماً بنسبة 14 في المئة. وعلى الرغم من الجدل النقابي والسياسي المتمثل في اعتراض النقابات وفرق المعارضة البرلمانية، فقد نجحت الحكومة في تمرير مشروعها لإصلاح نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد.