ليس من طبعي تخصيص زاويتي للتنابز، لكن أحيانا تفرض عليك بعض الوقائع الخروج على النص، على الأقل لتصحيح اعوجاج ما، خصوصا إذا كان المعني بالأمر قد ضاق ذرعا بما يُكتب في هذه الزاوية من مقالات عن شطحات مسؤول حكومي، تُبكي أكثر مما تضحك. يوم الخميس ما قبل الماضي، كنت ضيفا على برنامج "90 دقيقة للإقناع" بقناة "ميدي 1 تي في" لمحاورة محمد أوزين، وحضرت كالعادة للنقاش، لكن مدة البرنامج انقضت، كما وصفها أحد الصحافيين، في الصراخ عوض الإقناع، بما أن الحقيقة كانت كالعادة مزعجة. لقد أقنعنا أوزين بأنه شخص يتحدث بنفس التعريف الذي أعطاه ابن خلدون للُّغة: "طبق الشفتين...وخروج صوت"...في اعتقاد جازم بأن من يصرخ أكثر ويجحظ العينين بشكل بارز فهو الأكثر إقناعا...وحتى نبحث لأوزين عن مخرج سنقول إنه أخطأ العنوان، فقد اعتقد مجددا أنه في برنامج تألق فيه كثيرا هو... نعم هو ذاك..."رشيد شو". للحظة قلت إن ما تلقاه أوزين من ضربات موجعة واستهجان كبير على مختلف المواقع الاجتماعية وأيضا الإخبارية، بما فيها التي تتبع له، كاف لأن يمسح ما تبقى من ضباب على عينيه، لكن قلت لمزيد من تثبيت الأمور في مكانها لا بأس من تحرير بعض التفاصيل علها تكون شدّاً إضافيا للأذن. عندما تُحاور أوزين، تَطرح في كل مرة يبدأ فيها بالإجابة إن كان الأمر يتعلق فعلا بمسؤول وزاري سبق له المثول أمام الملك ويُمثل المغرب في تعاقدات واتفاقات دولية، فأحيانا لا تستطيع، أثناء الاستماع إليه، التمييز بينه وبينه أي شِيخٍ أو مْقَدم قبل 30 سنة يصرخ في وجه مواطن يطلب وثيقة إدارية، لكن ما تلبث أن تعود لرشدك وأنت تستحضر معطيات عدة من قبيل العوامل المتحكمة في الاستوزار (نسب، حزب، نظام المكافآت، القصر...)، وأيضا غياب الرياضة في برنامج حزب الحركة الشعبية رغم أن 3 وزراء ينتمون إليه دبروا شؤون الشبيبة والرياضة في ظرف 15 سنة، فالأحزاب الكارتونية هي في الأصل مقاولة عائلية أو قبلية تتكون من أعضاء يحملون مهنة وزير عاجلا أم آجلا، ولا يهم مع من يتحالفون في الحكومات المتعاقبة، فأوكسجين الحياة هو الاستوزار على نحو يلغي تعريفات موريس دوفيرجي وأندري هوريو للأحزاب، ألم يَقْبَل امحند العنصر، الأمين العام، بحقيبة فارغة فقط حتى لا يظل خارج حكومة عباس الفاسي بعد صفعة تأديب لم يتوقعها من المخزن؟ والطريف أنه قال إن ذلك لمصلحة الوطن.. !..أعتقد أنكم أدركتم ما مدلول مصلحة الوطن بالنسبة لحزب السنبلة. أوزين يأتي مصحوبا بستة أفكار لا أكثر ويقحمها في النقاش عنوة، وحتى في حالة ما خانته هذه الأفكار يتناول الأمور بمنطق غريب، فعندما تواجهه بكون حزبه لا يتوفر على برنامج رياضي يجيب بفظاظة وتنطع "علاه الأحزاب الأخرى عندها برنامج"، وإن سألته عن إرغامه بعض الجامعات على عقد جموعها العامة بدون أن يصدر هو نفسه النظام الأساسي اللازم لها يهرب إلى قرار الفيفا وحكاية المبدأ التي فهمها لوحده، أما طرح غياب سياسة رياضية كما هي موضحة في التصريح الحكومي، فهو أمر كاف لتطرح مع نفسك "ما تعريف أوزين لسياسة رياضية"؟ وهلم أعطاب في القانون ! حاول أوزين في كل مرة أن يهز ثباتي من خلال الطعن في صفتي العلمية في كل مرة أطرح فيها سؤالا لا يروقه، وكأني به يريد أن نتفق على الأسئلة قبل دخول الأستوديو، علما أني لست محتاجا لمصادقة من أوزين على شواهدي الجامعية، فعلى الأقل لم يطعن أحد فيها كما حصل معهُ جِهارا، وتٌوجْتُ بها أمام حشد من المهتمين والمختصين وليس تحت جنح الظلام، ولم ألجأ إلى القضاء للتصديق عليها كما حصل معه...رغم ذلك لن أشكك في شواهد أوزين لأن الأمر ببساطة لا يهمني، لكن طريقة حديثه في البرامج والبرلمان تدفعني إلى اليقين بأنه كان كثير الغياب عن حصص الدرس، لأن من استظل بحرم الجامعة، لا يمكن أن يُناقش بتلك السماجة والبداءة التي اشمئز منها المشاهدون بمن فيهم أطر ومندوبون ينتمون لوزارته. صعب على أوزين أن يدرك معنى أن تكون متطوعا في مجال تحبه وتمتن له منذ عقدين وليس سنتين (عمر الاستوزار)، فهو سياسي لا يعطي ما باليمنى حتى يسترد ضعفه باليسرى، في حين أن هذا الباحث المتواضع لم ينتظر تعويضا أو إشادة عندما تنقل في صمت بشكل أسبوعي تقريبا ما بين المدن للمشاركة في ندوات أو تأطير بحوث الطلبة، أو حتى عندما غامر بتأليف وطبع سلسلة كتب من ماله الخاص في مجتمع لا يقرأ، من الوزير حتى الممارس، أو حتى عندما تحمل مصاريف مقر مخصص مجانا للطلبة من أجل البحث، أو حتى وهو يتلقى تنويها من معهد بحوث علمي بلندن عن موقع إلكتروني مخصص للبحث العلمي في المجال الرياضي في سابقة عربيا وإفريقيا...كل ذلك على حساب أجرتي ووقتي وصحتي وأسرتي، وبدون أن أطلب تعويضا أوأُقرع الطبول كما يفعل أوزين حتى لو تعلق الأمر بزيارة رسمية إلى خنيفرة مثلا. وبالمناسبة، أطلب من أوزين وقف بعض موظفيه عن الاتصال بي من أجل أخذ معطيات علمية لتوظيفها في إجاباته على مواضيع آنية يطرحها عليه الصحافيون ولا يملك إجابات عنها...بطبيعة الحال. الرياضة لم تبدأ معك أوزين كما يخال لك ذلك، فأنت لم تُدرك وجود هذا القطاع إلا وأنت تجد أبواب وزارة الطاقة والمعادن موصدة في وجهك (إسأل الأستاذ بنكيران) بما أن القصر اعتبر أنك أصغر من أن تدبر شؤونها، فكان القرار هو البحث عن وزارة لوزير يتحرق انتظارا. وغدا ستغادر الرياضة وستمارس هوايتك رفقة "مناضلين" آخرين في البحث عن وزارات أخرى، لا يهم أي وزارةّ، المهم الاستوزار، وآنذاك لن تتذكرك الرياضة إلا بقدر المآسي التي خلفتها من ورائك...أما نحن، فباقون لأننا لم ندخل الرياضة استرزاقا.