يعتبر فن الملحون من الفنون الشعبية الخالدة التي تؤسس للهوية المغربية، مما جعله لونا غنائيا خاصا بالمغرب لا يوجد له مثيل في العالم، وإذا كان الطرب الأندلسي فنا مرتبطا بطبقة اجتماعية محدودة، فإن فن الملحون ظل ديوان المغاربة، وارتبط حميميا بالإنسان البسيط ولهجته القريبة إلى الفصحى، وكذا عاداته وتقاليده الشعبية، ليكون بذلك خير تعبير عن تفاصيل وجغرافيات حياته اليومية، وخير كتاب شفوي يعبر عما يخالج هذا الإنسان في أعماقه. الملحون، وتعني القصيدة الملحنة وهي موسيقى شعبية مغاربية تستعير وسائطها من الموسيقى الأندلسية، يعتبر فنا شعريا وإنشاديا وغنائيا متميزا في المغرب الأقصى (متميزا عن الدول العربية التي كان فيها المد العثماني) نشأ في تافيلالت ومراكش وفاس ومكناس وسلا، وهو تراث يختزل مقومات الثقافة المغربية العربية الأمازيغية الأندلسية ومظاهر حياتها الأصيلة. فهو مزيج من فن العيطة الشعبي والأندلسي الغرناطي الذي يتميز به خصيصا المغرب، ويتخذ من اللهجة العامية أداته، ومن مضامين اللغة الفصحى بشعرها ونثرها، مادته التي تتلون مواضيعها بألوان التوسلات الإلهية، والمدائح النبوية، والربيعيات، والعشق، والهجاء، والرثاء. وبالرجوع إلى ابن خلدون يظهر أن أولى بواكير فن "الملحون" ظهرت في العهد الموحدي خلال القرن السابع الهجري. ولقد عملت تراثية البيضاء في إطار برنامج صيانة التراث الثقافي والفني على تأسيس فرقة الملحون التي تسعى إلى التعريف بهذا الموروث على الصعيد المملكة المغربية وخارجها، كما أنها تشتغل بجهة الدارالبيضاءسطات هذا الموروث الذي ينبغي تقريبه من جيل الشباب.