لحظة استثنائية وتاريخية تلك التي تمر منها العلاقات المغربية الإسبانية، بعد كل الجدل الذي رافق التعاون المغربي الإسباني في ظل حكومة راخوي، بحكم عدد من القضايا الأساسية التي تشكل مفتاح فهم الخلافات والصعوبات التي تقف في وجه تعميق أسس الشراكة بين المغرب وإسبانيا، كقضية الصحراء وموقف الحياد الإسباني المشوب بتعاطف ظاهر مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، والمفاوضات الجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بشأن ملف الصيد البحري في ظل انتظارات الصيادين الإسبان إلى عودة موفقة لأسطولهم للعمل في المياه المغربية، باعتباره يمثل أغلبية الأسطول الأوربي، والصادرات الفلاحية التي لازال الفلاحون الإسبان يعترضون سبيلها، وقضية الهجرة السرية وتداعياتها الأمنية وكذلك الإرهاب وتجارة المخدرات، وأوضاع ومستقبل الجالية المغربية المقيمة بالديار الإسبانية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر منها إسبانيا. نعم إنها لحظة تفتح الباب على مصراعيه على البلدين الجارين، لفتح صفحة جديدة، في علاقاتهما، نظرا لكون زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس للمغرب، ليست زيارة عادية لرئيس حكومة بل لأنها زيارة رجل له حجمه وثقله في المشهد الإسباني ككل من طينة العاهل الإسباني، الذي يزور بلادنا رفقة وفد مهم يضم أعضاء من الحكومة الإسبانية، وتسعة وزراء خارجية سابقين، ورؤساء أهم المقاولات الإسبانية، كما يتكون الوفد الرسمي المرافق للعاهل الإسباني من مسؤولين آخرين، من بينهم كاتب الدولة الإسباني في التجارة، خايمي غارسيا ليغاز، والمفوض السامي للحكومة المكلف بالترويج ل"صورة إسبانيا" كارلوس إسبينوزا، والمدير العام للجامعات الإسبانية، وعدد من رؤساء الجامعات، بالإضافة إلى رؤساء الكونفدرالية الإسبانية لمنظمات المقاولات، والكونفدرالية الإسبانية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، والمجلس الأعلى لغرف التجارة. وهو ما يعطي نكهة خاصة للحضور الجديد لعاهل إسبانيا ببلادنا تلبية لدعوة كريمة من جلالة الملك محمد السادس، ويقدم صورة مغايرة لكل الزيارات السابقة، ويؤكد على رغبة إسبانيا القوية في تمتين الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية على أسس شراكة استراتيجية جديدة، مع جارها التاريخي والعريق المغرب. المغرب الذي يدرك المسؤولون الإسبان تماما الخطوات الهامة والفارقة التي حققها في مجال الإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية، والموقع الذي أصبح يحتله بعد نجاحه في تقديم نموذج حي عن بلد عربي تفاعل وتجاوب مع مطالب شعبه، بتوسيع دائرة الممارسة الديمقراطية، وتمكين الشعب المغربي من تحقيق مكتسبات كبيرة بفضل الدستور الجديد على كل المستويات. وهم مدركون أيضا لأهمية ودلالة كل الرسائل والإشارات البليغة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس في خطبه السامية نحو إسبانيا، خاصة خطاب العرش لسنة 2012، الذي أكد فيه جلالته على الأهمية القصوى "لتوفير ظروف اقتصادية جديدة وملائمة، من أجل خلق ثروات مشتركة، تجسيدا لعمق التضامن الفعلي بين المغرب وإسبانيا في ظل الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يجتازها العالم وتداعياتها على البلدين"، مقدما بذلك مضمونا ملموسا للروابط العميقة والتضامن الفعال الذي يجمع بين البلدين. إنها الرسائل والإشارات التي تلقفها العاهل الإسباني ليجعل منها دافعا قويا لإسبانيا لكي تتشبث بالمغرب كجار وصديق وشريك استراتيجي، وتتفاعل مع كل مبادراته ودعواته الجادة إلى الرفع من وتيرة التعاون الثنائي في كل المجالات، مدركا مضامينها المستقبلية وآفاقها الواعدة، التي من الأكيد أنها ستعطي دفعة قوية للعلاقات الإسبانية المغربية، سواء باعتبار العلاقة الخاصة التي تجمع الأسرتين المالكتين منذ زمن والاتصالات المنتظمة بينهما والتواصل الدائم بين العاهلين، وكذا باعتبار حجم وقوة ونوعية العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين من خلال الاستثمارات والمقاولات الإسبانية، أو من خلال التبادل التجاري والصادرات الفلاحية المغربية ودور الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي لهذا البلد، أضف إلى ذلك الملفات الإقليمية المشتركة، كقضية الصحراء ومكافحة الإرهاب والهجرة السرية وتجارة المخدرات، والصيد البحري. لاشك إذن أن العلاقات المغربية الإسبانية تدخل اليوم عهدا جديدا من خلال هذه الزيارة الجديدة للعاهل الإسباني، بغض النظر عن كل الخلافات أو التداعيات التي قد تفرزها التطورات السياسية بين البلدين أو تفرضها نتائج المتغيرات والتحولات الاقتصادية الداخلية والثنائية والإقليمية أو الدولية، وذلك لأنها اكتسبت مناعة قوية في وجه كل الهزات والمشاكل والإكراهات التي عرفتها وتعرفها اليوم والتي تقف في وجه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين والجارين. وثانيا، لأن إرادة العاهلين والبلدين الجارين، أقوى لرفع التحدي وكسب الرهان، في رسم معالم شراكة جديدة بين البلدين الجارين، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، خاصة في ظل التطورات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتي تحتم على الدول البحث عن آفاق جديدة تستكشف من خلالها مداخل أوسع لتعاون ثنائي أو إقليمي أو جهوي للتغلب على إكراهات الأزمة العالمية. إن لقاء العاهل الإسباني مع جلالة الملك محمد السادس من جديد، يأتي كحدث متميز وفاصل ضمن مسلسل طويل من الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي والشراكة الاستراتيجية بين البلدين دام لسنوات وعقود، وذلك في لحظة تاريخية تشكل فرصة جديدة لمواصلة تعزيز التعاون بينهما، كمؤشر ودليل ملموس على قوة الإرادة المشتركة لهما، من أجل الارتقاء بعلاقاتهما إلى أفضل مستوياتها وإعطائها عمقا ودفئا أكبر عل مستوى الحوار الاستراتيجي بينهما. فليس من الغريب إذن أن تبادر سفارة إسبانيا بالمغرب، لتعميم وثيقة عن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وثيقة تؤكد عمق الثقة الكبيرة لدى الإسبان ملكا وحكومة وشعبا في المغرب كشريك إقليمي وازن، وجار عريق تجمعه بإسبانيا راوابط تاريخية عميقة، وعلاقات ثقافية وحضارية، ومصالح سياسية واقتصادية كبيرة، وتجعله أقرب الدول لإسبانيا وأكثرها ارتباطا بالجزيرة الإيبيرية داخل موقع استراتيجي يفرض عيلهما التعاون وحسن الجوار والعمل على تثبيت أركان الأمن والسلام بالمنطقة.